بنشاب : يتزامن عيد العمال عالميا مع فاتح مايو كل عام وللاحتفال بهذه الذكرى أسباب متعدد أبرزها هو الثورة العمالية التي خاضها الأوروبية بعد الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر التي تمخض عنها ميلاد المصانع الكثيرة في أوروبا وميلاد شريحتين جديدتين هما شريحة أرباب العمل الذين يمتلكون المصانع وشريحة العمال الذين يمتلكون الأيادي التي تكسبهم لقمة العيش مقابل الخدمات التي يقدمونها لأرباب العمل ، وفي البداية كانت الأجور زهيدة والأعمال شاقة وساعات العمل لا تتوافق مع الجهد المبذول من طرف العمال، وهو ما تواصل لسنوات من القهر عاشها العمال في القارة العجوز وبما أن العنف والظلم والقهر لا يولدون إلا ردة فعل مطابقة كانت ردة فعل العمال قوية جدا ونتج عنها ثورة عمالية شاملة كان من أبرز نتائجها مصالحة ذاتية بين أرباب العمل والعمال تم فيها الاتفاق على العديد من النقاط من أهمها:
- تقليص ساعات العمل إلى 8 ساعات في اليوم وما فوق ذلك يعتبر وقتا إضافية يفرض على رب العمل التعويض عنه للعامل
- تمت زيادة الأجور لتتوافق مع الجهد المبذول
- تم فرض عقود قانوينة تضمن للجميع حقوقهم سواء رب العمل أو العامل وهذه العقود تنقسم إلى نوعين عقد محدد المدة وعقد غير محددة المدة
- كما تم الاتفاق على الحصول على العلاوات في حال تحققت الأرباح أو كانت فوق التوقعات فإن من اللازم على رب العمل تحفيز العمال وتشجيعهم معنويا وماديا وهذه الفكرة هي التي أخذت منها فكرة منحة الشهر ال 13 الذي هو في حد ذاته ليس شهرا من العمل أو الجهد وإنما هو عبارة عن علاوة تفرضها القواعد والأعراف والاتفاقيات الجماعية للشغل وياتي بناء على سلسلة من الأرباح المتواصلة لرب العمل بفضل جهود العمال .
هذا فقط جزء من جملة من الإصلاحات كسب رهانها العمال بعد الثورة العمالية في العديد من الدول الأوروبية وكانت سببا في مراجعة العلاقة بين رب العمل والعمال وعلى إثرها أصبح لكل بلد ليس على مستوى أوروبا بل العالم بأسره مدونة للشغل تنظم العلاقة بين الطرفين والتزامات كل منهما اتجاه الآخر هذا بالإضافة إلى وجود محكمة للشغل والتي هي الجهة المخولة قانونيا للبت في النزاعات المتعلقة بكل ما يتعلق بالشغل .
ولتفعيل وضبط العلاقة بين أرباب العمل والعمال تمتلك العديد من الدول ما يسمى بالقانون الاجتماعي الذي يمتلك فرعين رئيسيين هما قانون الضمان الاجتماعي وقانون الشغل وذلك بهضمان حقوق العمال لأن كل عامل في حد ذاته هو عبارة عن رب لأسرة يعيلها ويصرف عليها انطلاقا مما يتقاضاه من رب العمل .
ولكن على مستوى بلادنا يعيش العمال في ظروف صعبة منذ الاستقلال إلى يومنا هذا ، فاليد العاملة تعيش بين غطرسة رجال الأعمال وتحكمهم في السطلة بالإضافة إلى جشع النقابات العمالية التي تجيز لأرباب العمل التلاعب بحقوق العمال، فالأجور زهيدة ولا ترقى لمستوى يسمح بالعيش الكريم كما أنها لا تتناسب طرديا مع ما يحققه أرباب العمل من أرباح خيالية تعد بالملايين أحيانا في الشهر وليس في السنة كل ذلك على ظهور العمال وبفضل سواعدهم ولكنهم لا يجدون مقابل ذلك إلا أجورا زهيدة لا تسمن ولاتغن من جوع، وليس ذلك فقط بل المسألة أدهى و أمر فمعظم اليد العاملة في هذا البلد لا تمتلك عقودا قانونية تضمن لها حقوقها بل تعمل بشكل غير قانوني يسمى “بالعمل اليومي” أو “الجورنالييه” كما يعرف محليا وهو مصطلح مأخوذ من اللغة الفرنسية وهذا النوع لا أساس له من الصحة ولا وجود له في مدونة الشغل بل هو خطة محكمة ابتكرها أرباب العمل لإحكام قبضتهم على العمال فكلما أردات مجموعة من العمال الدفاع عن حقوقها والمطالبة بها يتم طردا ظلما وعدوانا لتكون ضحية غطرسة وجبروت رب العمل وينتهي بها المطاف في الشارع لتنضم لقائمة العاطلين عن العمل الذين يعتبرون النسبة الأكبر في هذا البلد الذي تخرج جامعاته سنويا العشرات و في المقابل لا يتوظف منهم إلا 0.5% والبقية تبقى عالة على المجتمع بعد سنوات من التعلم والطموح الذي ينتهي بمعانقة شبه البطالة الذي لا يرحم، لسنوات يصعب تحديد مدتها ، فالكل سيعقد الأمل على بصيص الأمل الذي يمتلكه كل من يبقى على قيد الحياة قبل أن يقضي الله أمرا كان مقضيا.
فالمتتبع لواقع العمال في هذا البلد يدرك جيدا مدى صعوبة وقساوة الظروف التي يعيش فيها العامل الموريتاني سواء على مستوى القطاع الخاص أو القطاع العام ، فالأجور زهيدة والعقود غائبة إلا من رحم ربي ، ومع ذلك يبقى العامل الموريتاني بطبعه إنسانا متفائلا وحالما بغد أفضل ويحتفل بعيد العمال كل سنة بأعصاب باردة مع كل ما يعانيه ، دون أن يشعر بأن الاحتفال بالعيد في غير أوانه ومحله يعتبر مهزلة واحتفالا لا معنى له، فالاحتفال يجب أن تكون له أسباب ودوافع .
ويبقى السؤال المطروح الذي يفرض نفسه بكل إلحاح وضرورة هو متى سيبقى العامل الموريتاني يحتفل بعيد لا ناقة له ولا جمل فيه، فالحقوق تنتزع ولا تعطى ، فمتى سيدرك العمال عمق ودلالة هذه العبارة.
هلا ريم