وكالة (AFP) : الجمالة.. سلاح موريتانيا في مواجهة الإرهاب

سبت, 10/05/2025 - 06:32

بنشاب : وسط رمال الصحراء الموريتانية الشاسعة، يجوب فرسان على الإبل مناطق نائية في الجنوب الشرقي للبلاد، حاملين الكلاشنيكوف وطائرات مسيّرة، في مهمة لحماية حدود البلاد وملاحقة الجماعات المتطرفة. هؤلاء هم “المهاريست”، وحدة تابعة للحرس الوطني الموريتاني، التي أحيَت تقليدًا عسكريًا ضاربًا في التاريخ منذ الحقبة الاستعمارية، حيث كانت فرنسا تعتمد على وحدات راكبي الإبل في مراقبة الصحراء.
وقال العقيد مولاي البشير، قائد الوحدة، في تصريح لوكالة فرانس برس (AFP)، إن “المجموعة البدوية قادرة على الوصول إلى مناطق بالغة الصعوبة، لضمان حضور الدولة هناك”.
منذ إعادة إحيائها عام 2019، تضاعف عدد الفرسان ليصل إلى نحو 150 جنديًا مدعومين بـ400 جمل، مستفيدين من دعم مالي أوروبي بملايين اليوروهات، لتعزيز استقرار البلاد التي تشكّل حاجزًا أمنيًا في منطقة الساحل الملتهبة. وتنطلق الدوريات من منطقة الحوض الشرقي المتاخمة لمالي، حيث يقيم أكثر من 140 ألف لاجئ مالي في مخيم مبروه، وسط مخاوف من امتداد النشاط الجهادي.
إبراهيم ومهام المهاريست
الفرسان لا يقتصرون على الأدوار الأمنية فحسب، بل يقدمون الرعاية البيطرية، يبحثون عن الماشية المفقودة، ويوصلون المساعدات الطبية، ما يعزز علاقتهم بالسكان المحليين من الرحّل. وقال العقيد البشير: “الإبل ليست مجرد وسيلة تنقل، بل هي رمز للثقة والتكامل مع سكان الصحراء”.
تُعد هذه الوحدة نموذجًا مثيرًا في استخدام الإبل في مهام عسكرية، حيث أنَّ الجمال قادرة على عبور الأراضي الصحراوية الوعرة التي يتعذر على المركبات البرية الوصول إليها. وأكد العقيد البشير أيضًا أن “الإبل هي الوسيلة الأمثل للتنقل في هذه الظروف، فهي قادرة على تحمل حرارة الصحراء وقلة المياه والطعام لفترات طويلة”.
أداة استراتيجية لمحاربة الإرهاب
موقع موريتانيا الجغرافي يُعد حساسًا، إذ تقع حدودها مع مالي، التي تشهد اضطرابات أمنية متواصلة بسبب أنشطة الجماعات الجهادية. ولا شك أن المهاريست يلعبون دورًا حيويًا في تعزيز الاستقرار في هذا الجزء من العالم، من خلال تأمين الحدود وملاحقة العناصر المتطرفة التي قد تحاول التسلل إلى داخل الأراضي الموريتانية.

دعم الاتحاد الأوروبي

وفي إطار جهودها الأمنية، استفادت وحدة المهاريست من دعم مالي أوروبي بلغ عدة ملايين من اليوروهات، وهو ما ساهم بشكل كبير في تجديد وتعزيز القدرات العملياتية للوحدة. هذا الدعم، الذي يُعتبر جزءًا من التعاون الأمني في المنطقة، يهدف إلى دعم موريتانيا في مكافحة الإرهاب وتعزيز استقرارها في وجه التهديدات الأمنية الإقليمية.

آبار المياه: ركيزة الأمن والتنمية

بالإضافة إلى الدور الأمني الذي تلعبه المهاريست، فإنَّ وحدة الحرس الوطني تعمل على مراقبة الآبار المائية التي تمثل شريان الحياة في الصحراء. حيث يتعين على العابرين في الصحراء الالتزام بطرق محددة تقع على مسار دوريات المهاريست، والتي يتم تحديدها بناءً على نقاط المياه. “من يسيطر على نقاط المياه، يسيطر على الصحراء”، كما أشار العقيد البشير.
وقد أسهمت الحكومة الموريتانية في إقامة شبكة من الآبار على طول طرق دوريات المهاريست، وهو ما يسهل التنقل ويحد من تهريب الأشخاص من مالي إلى الأراضي الموريتانية. كما شجعت هذه المشاريع العديد من السكان الرحل على الاستقرار في المنطقة، وتأسيس مجتمعات صغيرة حول هذه الآبار.
التطورات في المناطق الصحراوية
على الرغم من صعوبة الحياة في هذه المناطق الصحراوية التي تشهد درجات حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية، إلا أن المشاريع التنموية، مثل بناء مرافق صحية صغيرة ومرافق تعليمية، قد حسّنت ظروف الحياة للمجتمعات المحلية. على سبيل المثال، تم إنشاء مركز طبي صغير يوفر الرعاية لسكان المناطق البدوية، مما يجنبهم السفر مئات الكيلومترات إلى أقرب مدينة.
انتشار التجربة الموريتانية
من خلال النجاح الذي حققته موريتانيا في استخدام وحدة المهاريست، بدأت دول أخرى في منطقة الساحل مثل النيجر و تشاد تأخذ اهتمامًا متزايدًا بهذا النموذج الأمني. إذ يظهر اهتمام متزايد بكيفية الاستفادة من التجربة الموريتانية في محاربة الإرهاب وتعزيز الاستقرار في مناطقهم.

خلاصة:
على الرغم من أن وحدة المهاريست وحدها لا يمكنها تفسير النجاح الكبير الذي حققته موريتانيا في محاربة الجهادية، إلا أن دورها في توفير الأمن، إلى جانب مشاريع التنمية والتنظيم الاجتماعي الذي تبنته البلاد، يعتبر جزءًا أساسيًا من استراتيجية أوسع لتحسين الاستقرار في منطقة الساحل المهددة.