
بنشاب : في أروقة التاريخ المُعتّق، حيث لا يُسجَّل إلا ما خطّه الفعلُ بمدادٍ أثخن من الحبر، يلوح طيفُ رجلٍ صلْبٍ، تكسّرت على عتبته رياحُ العواصف، ولم يزده الصخبُ إلّا رسوخاً. هو من طرازٍ نادرٍ، يسكب العظمةَ في القلوب دون أن يستجدي تصفيقاً، ويُرسي المعاني في الضمائر دون أن يرفع لواءً يُعرِّف باسمه.
تقرأ سيرته فلا تجد بين السطور إلّا مجدًا صاغه بيمينٍ لا تعرف الوهن، وعزيمةٍ لا تكلُّ ولا تني، كأنما عُجن قلبه من صخور الجبال وماء العزّة. لا يُبصره إلا البصيرُ، ولا يفقه أثره إلا من تضلّع من معين البيان، فهو رجلٌ إذا غاب بقيت هيبته، وإذا حضر انكسرت دونه الرماح.
كلماته صمت، وصمته خطب، وخطبه أقدار تمشي على الأرض. ما عرّفه الناس إلا بالمواقف التي تتجاوز حدود الزمان، وما عرف نفسه إلا بما يليق بالرجال الذين يُنسَجون على منوال قلّ أن يُنسَج مثله.
هو الصفحة التي تقاوم الطمس، والسطر الذي لا يمحوه النسيان، والملحمة التي تُروى بلسان الأمة مهما تعاقبت الأيام وتكاثرت الأقلام.
فإن سأل سائل: من هذا الرجل؟ قلنا: هو السرُّ المكنونُ في ذاكرة وطن، والطلسمُ الذي لا يحلُّه إلا من خبر دهاليز السياسة وعرف مقامات الرجال.
من ص/ المدون : Brahim Abdellahi