بنشاب : نشرت سنة 2012 نصا بعنوان: الرحم بين الوصل و(الفصل)، بينت فيه ما آلت إليه صلة الأرحام في حياتنا الجديدة، بغض النظر عن حكم الصلة، وفوائدها الدنيوية والأخروية على الواصل، وخطورة قطعها على قاطع الرحم..
لكن في حياتنا اليوم صار الناس ينظرون إلى الواصل نظرة استغراب، وربما استهجان، فعصر السرعة، والبرنامج اليومي المشحون لم يعودا يسمحان بالصلة، خصوصا من الذين يأتون من غير ميعاد، ويحضرون إلى طعام ناظرين إناه، ثم يكثرون الثرثرة والاستطراد في أحاديث الفضول..ثم ازدادت إكراهات العصر، واشتد خضوع الناس لمشاكل العولمة، وانتقلت العلاقة بين الأرحام من الواقع إلى الافتراض، فاكتفي الناس بالمهاتفة بدل اللقاء، بل أصبحت تكفي منها الصوتية المقتضبة، لأن المجال ضاق عن الصلة المباشرة، وعن ثرثرة المهاتفين..ومع الأيام صار من ينتقل لصلة رحمه محل شك، وريبة، أسئلة كثيرة تزدحم في صدر الموصول، ما سبب الصلة؟ ما غرضها؟ وينقطع عن زائره، ويتوقف عن رد التحية، وأحيانا يرد خارج الموضوع وهو يدبر حيلة ليصرفه بها سريعا، لأنه يراه طالب حاجة (فاصلا)، لا واصلا..
واليوم اشندت الأزمة، وعاش الناس ظاهرة التفكك الاجتماعي، فانقطعت الأواصر، وتوقف التواصل، وعشنا مرحلة نفسي، زوجي. ولدي، كلبي...
فمن يستطيع اليوم أن يرسل طفله إلى عمه، أو عمته، أو خاله، أو خالته، لإيوائه سنة دراسسة، يوفر بذلك لشقيقه جهد الرحيل إلى العاصمة، ومشاكل السكن، والنقل، وغير ذلك من المصاريف التي لا يملك لها وسيلة..أليس مؤلما أن يرحل الأبوان الغريبان على العاصمة، وقد بلغا من العمر عتيا، أن يرحلا مع طفلهما للدراسة، وفي العاصمة أعمامه، وأخواله؟..
لا شك أن لعشق النساءِ الرحيلَ بعضَ الأثر في هذا التفكك حين تزعم الأم أنها تأنف من أن يكون طفلها ضيفا ثقيلا على الناس، لكنها حجة ضعيفة لو لاقت إصرارا من المستقبِل المتطوع لإواء ابن أخيه..
توجد استثناءات قليلة من أسر ما زالت ترق للأقارب، وتدمع عيونها فرحا بقدومهم، وحزنا لفراقهم، تفتح لهم القلوب قبل البيوت، لكنهم يوصمون في شرع المدنية الجديدة بالأسر(لفيسده)...