بنشاب : تعتبر ظاهرة الفساد ظاهرة قديمة قدم المجتمعات الإنسانية، وقد كان موجوداً في حضارة وادي النيل، كما احتل الصدارة في اهتمام الفلاسفة والمفكرين في بلاد الإغريق لنجد أن فلسفة أفلاطون في جدلية الفساد كانت وليدة ما كان يراه من فساد في الفكر السياسي والأخلاقي، أما في العصر الإسلامي فإن مكافحة الفساد أخذت أهمية وبعداً كبيرين لأنها ارتبطت بالتكليف الإلهي للبشر.
و هي ظاهرة لا تخص دولة دون أخرى أو شعباً دون آخر، بل إنها جميعها تعاني من سلبيات انتشار الفساد وآثاره المدمرة على الفرد والمجتمع، ويختلف الأمر من حيث قياس درجة هذا الفساد وحجمه، وأيضاً مدى انتشار ثقافة الفساد بين أفراد مجتمع معين دون آخر.
يعتبر مفهوم الفساد (مثل العديد من المفاهيم السياسية والاجتماعية) مفهومًا مركباً ينطوي على أكثر من بُعد، لذلك تعددت اتجاهات تعريف مفهوم الفساد، وترجع تلك التعددية إلى أن كل تعريف قد ركز على بُعد واحد من أبعاد المفهوم.
و بالرغم من أن كلنا يعرف ما هو الفساد، إلا أن هناك صعوبة في تعريفه، فالثقافات المختلفة لديها مفاهيم مختلفة عن الفساد حيث يختلف مفهوم الفساد من ثقافة إلى أخرى، فما يعتبر سلوكًا فاسدًا في بريطانيا مثلاً قد ينظر إليه باعتباره سلوكًا مقبولاً في موريتانيا، وذلك الفهم يختلف أيضاً من مرحلة زمنية إلى أخرى، فشراء منصب على سبيل المثال كان إجراءً معترفًا به في بريطانيا بالقرن الثامن عشر، بل ويعتبر سلوكًا نموذجياً يجب أن يحتذى به.
توجد تعاريف عديدة للفساد، تختلف معانيها وصياغتها اللفظية حسب المجال الذي يعتريه الفساد: (فساد سياسي، إداري، مالي، أخلاقي...) ورغم تعدد التعاريف، فإنها تتفق جميعاً في خاصية أساسية وهي: إساءة استعمال السلطة أو المنصب من أجل تحقيق الكسب الخاص.
1. قد عرف معجم أوكسفورد الإنجليزي الفساد بأنه: "هو كل سلوك مخادع / احتيالي وغير أمين من طرف المسؤولين في السلطة، والذي عادة ما ينطوي على الرشوة".
2. كما عرف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الفساد بأنه: " استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص".
3. أما الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد فلم يرد فيها تعريف للفساد، لكنها وصفته بأنه "ظاهرة إجرامية متعددة الأشكال ذات آثار سلبية على القيم الأخلاقية والحياة السياسية والنواحي الاقتصادية والاجتماعية".
4. كما عرفت منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه: "إساءة استعمال السلطة الموكولة لتحقيق مكاسب خاصة".
و ينطوي تعريف منظمة الشفافية الدولية على عدد من العناصر الأساسية التي تميزه عن باقي التعريفات الأخرى وهي:
أ. أنه تعريف ينطبق على القطاعات الثلاثة للدولة: القطاع العام، والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ولا يقتصر فقط على الوظيفة العمومية كما ورد في التعريفات السابقة.
ب. يشير إلى سوء الاستخدام النظامي / المرتبط بسلطة الدولة والفرد أيضا، والذي يتجلى في الخداع والتحايل، والأنشطة غير القانونية والإجرامية.
ج. يغطي التعريف كل من المكاسب المالية وغير المالية، إذ وردت عبارة "مكاسب خاصة" مطلقة وغير محددة.
مما سبق يمكننا أن نعرف الفساد بأنه: إساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب خاصة سواءً لصالح الشخص نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر