بنشاب : كتب الإعلامي المتميز محمد لمين المحمودي..:
ماذا لو أنني ولدت في "ماجدالينا" الكولومبية، لأب مزارع ثم عشت طفولتي بين المروج والأعشاب الخضراء،ألاعب الأفاعي في المستنقعات،و أقصى خوفي أن تغضب جبال الأنديز فترسل الحمم والبراكين أو أن تميد الأرض بزلزال قوي،أما منتهى أحلامي فاكمال دراستي لأتزوج ماريا ابنة جارنا الزبال الطيب.
تخيلتني وأنا أفكر في الطرائق التي أمامي: هل أكون متدينا حد تقديس الأب "آرتور " الرجل الذي يسرق أموالنا ضحى كل أحد،أم أعبد الله على حرف،أو لعلي أظل متدينا لكن بدون مرشد،هل أحاول الوصول الى "ميدلين"، وأبحث عن طريق للوصول للعم "بابلو" أم أن علي الانضمام للجيش الحكومي لقتال الرجل العم ومن معه من المجرمين..تخيلتني وقد اخترت مهنة التعليم ودرست أطفال الهادي والكاريبي خطورة العم بابلو اسكوبار والمخدرات،وتخيلتني أجالس ماريا في حديقة الكاتدرائية حيث نتحدث عن بيت المستقبل والأرائك والحديقة والثلاجة،والصحون،والشوبك،الى المقاعد القرفصائية، نثرثر وفي يد كل واحد منا قنينة جعة باردة نرفعها للشيوخ تحية وهم يخرجون بكل وقار من المصلى فترسم أفواههم ابتسامات تفيض حبا ورأفة،ترمقني ماريا بنظرتها الجانبية الفتاكة ونقرأ اشعار لوركا عن الغجر بهمس، ثم نضحك مليا قبل ان نقفل الى ذوينا،كل هذا وكبار السن من الجيران ينظرون لنا باحترام.
ثم تخيلتني وقد صادفت خبرا في التلفاز عن دولة اسمها موريتانيا،وأنا أتمشى في المطبخ أدهن خبزتي بزبدة طازجة، رأيت غزواني ومدير ديوانه وغيرهما من ساسة البلد،ثم رأيت بعض الناس الذين يتحركون بخمول في شارع بئيس وهم يلبسون ملاءات تخرج الرؤوس فيها من فراغات واسعة!
أدرت ظهري للمشهد بعد أن أعياني استكناهه، ثم بعد قليل فتحت عن نشرة الأخبار الوطنية حيث رأيت الزعيم ايسكوبار يوزع الأغطية على الفقراء،لكن بدا لي من الكوة فجأة ظل ماريا وهي تنزل في المستنقع بلا جوارب لتجلب غرضا لأمها..قفزت من العلية وتبعتها..
شعوري هناك في بلدتي ووطني الفقير شعور انسان طبيعي يختار ويقرر حتى نمط ممارسته الدينية ولايستمع فيها الا لمن يثق في صدق علاقتهم بالله،شعوري هناك شعور انسان طبيعي يحاول تأسيس بيت دون التملق للشر المطلق ومتابعة أمزجة الساسة بلهف تماما كنوتي زورق يتابع الأحوال الجوية قبل اختراق العباب..شعوري هناك شعور شخص يحب ويقرر ويساعد على بناء مجتمع.
أهل بلدتي الكولومبية لايعرفون موريتانيا ولاتاريخها وليس من بينهم ولد لعيسى ولاوريث للتاريخ والمجد وليس فيهم من يدعي صلة بالحواريين ولابالأنبياء او الرسل..هم فقراء وأغنياء لكنهم يحققون أنفسهم وأحلامهم بسواعدهم وأفكارهم وليس بالمسلمات الكاذبة والاتكاء على ماجناه الأقدمون.
في النهاية الفرق بين الحضارات ضئيل جدا، والعاقل من يسأل نفسه دائما:ترى ماذا لو أنني ولدت وعشت في بلد آخر، وعرفت فيه أناسا آخرين؟
نختلف في تسمية المعبود وفي العبادات، وهذا طبيعي، لكننا نكتوي كمؤمنين بالتأويلات الآدمية الموغلة في لبراكماتية والكبر وازدراء الانسان وتأليه أصحاب التأويل أنفسهم.
أما في أمور الحياة فالعاقل من عرف نسبية الأمور،من "ض...ط" منا خجل،ومن تجشأ منهم خجل ومن تجشأ هنا حمد الله ومن "ض..ط"عندهم استبشر وسر..انها النسبية حتى في تأويل خروج غاز سام من الجسم.
(2).JPG)
