قبل أن تستيقظ آليات الإعلام الحكومي والإخواني من مرقدها بعد سبات عميق، وقد هبت بالفعل على استحياء، أريد أن أوضح بعض النقاط المتعلقة بإعلان منصة التشاور التي أطلقها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز من فرنسا مع بعض نشطاء أفلام ورعاياها، في منسقية " ملتزمون من أجل موريتانيا موحدة".فبغض النظر عن كونها خطوة جادة ورائدة في تعزيز اللحمة الوطنية، بعيدا عن المزايدات الانتهازية والمهاترات الحزبية، فهو خطوة جادة وعميقة، تضاف لملف دشنه عزيز بوعي ووطنية، يوم تولى مقاليد السلطة في البلاد، وأغلق به منافذ ومعابر لأطراف دولية محلية كانت تبحث عن توريط موريتانيا وشغلها في نفسها، وتمت في سابقة من نوعها حل مشكل معقد، حلا عادلا وشاملا وجذريا، وقال يومها بالحرف: (علينا جميعا أن نعلم أن تاريخ الشعوب ليس إلا لحظات من الألم والحزن والفرح والسعادة المشتركة، وأن نعلم أيضا أن تنوعها هو ثراء مشترك، وأن علينا أن نفتح صفحة جديدة من التعايش المشترك، لا مكان فيها لتلك الممارسات المتخلفة).
لا شك أنكم تتذكرون ذلك، وتتذكرون رفض أحزاب المعارضة يومها لذلك التصالح وتلك التسوية، على لسان ناطقها "أحمد الوديعة" حتى نتعظ أكثر ونتئد!...
وسارت الأمور في سياقها الطبيعي كما علمتم، في جو ملؤه الاحترام والمودة والتعايش الأخوي والبناء الجاد، الذي نتفيأ ظلاله الآن، رغم الحال والمآل، وختمت المرحلة بمسيرة الوحدة الوطنية المشهودة، فتاريخ عزيز يتكلم عن نفسه: واضح وشفاف كشخصيته، وكأفكاره وكسلوكه ...
الآن، ولكي تتضح أبعاد اللعبة السياسية في أدنى صورها، يطالعنا حزب "الإنصاف" بصوت مبحوح، ليبدي استياءه من محاورة أفلام، وقد نسي استضافته لقائدها "صمبا تام" عبر رئيس الحزب ورئيس الدولة فخامة محمد ولد الشيخ الغزواني واسترضاءه برخص الصيد منفردا، ليقول إن الجليد قد ذاب!.
ويطالعنا إعلام الإخوان بزحفه وراديكاليته التائهة ضد عزيز، وقد نسوا جميعهم حضور زعيمهم "جميل منصور" بصفته رئيس حزبهم، لدعوة انفصالية لا مسوغ لها من طرف متطرفي أفلام، بغض النظر عما يكنه في صدره من موافقة أو عدمها!...
أي منطق يكون به، هذا حلال علينا وحرام عليكم؟
مهما يكن، فإن "أفلام" طيف من مكونات أطيافنا الوطنية، فيها المتطرف وفيها المعتدل، ولها حضورها السياسي الذي أعلنت عن رغبتها في ممارسته بدل الرغبة الإقصائية، وهذا مرحب به في إطار المصلحة الوطنية وما يكفله الدستور ...
ولم تكن يوما "أفلام" محظورا في العمل السياسي، فبصفتي السياسية، أذكر أننا نسقنا - نحن الناصريين - معها في العمل النقابي والطلابي في الثمانينيات، كما نسق معها الاخوان والبعثيون، وطبيعي أن ينسق معها الشيوعيون اليساريون، والميثاقيون، وهذا طبيعي فيما تمليه المصالح التكتيكية والاستيراتيجية.
لكن، وهذا ما يثير حفيظة النظام وأتباعه، أن يستأثر النظام بقادة "أفلام" في استرضاء محلي وموقت، ليس كاستئثار عزيز بنشطائها الفاعلين محليا ودوليا.
يضاف إلى ذلك، أن خطوة عزيز هذه، تأتي في إطار رؤية سياسية شاملة، تستهدف تغييرا سلميا وديمقراطيا عبر كل مكونات الشعب الموريتاني الفاعلة، فهذا مكون ينضاف "لجبهة التغيير" في تشكيل خريطة منوعة تمس عمق الجماهير الموريتانية، ولا ضير في هذا، بل نراه ضروريا لولوج السياسة من بابها الواسع ...
فذرني من مزايدات المتملقين الذين قال الشاعر الرصافي في حقهم:
لا يخْدعَنْك هُتافُ القوم في الوطن، فالقوم في السر ليس القوم في العلن
أما أن يكون أصل عزيز سينغاليا، فهب أنه تركي أو ما شئت مما شئت، فالمهم هو الفعل والتاريخ واترك القال والقيل للمحبطين والعاجزين، فذلك مبلغهم من العلم ومن الجهد، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ...