على مر صفحات الكتب التي مر منها اللاوعي الجمعي للأمم، كانت سير القادة و السلاطين و الأبطال المخلدين بها ركن يوثق حرص القائد على جنوده، والتخطيط لحمايتهم و الاهتمام لتحسين سمعتهم بين الشعوب.. وتبقى نحلة عار هروب القائد من أرض المعركة للنجاة وتقديم رجاله لقمة لسيوف أعدائه طنانة في سجله إلى آخر فصل من سفر الدنيا..
وفي الدساتير الأخلاقية الحديثة العسكرية منها والمدنية فإن الضابط أو القائد أو المدير الذي يسْلم بجلده و يقدم أتباعه لمخالب المخاطر فدية لسلامته تنزله القلوب عن عرش الاحترام حتى لو احتفظ بوظيفته لكن يتقوض النور الذي كان معه.
ما كان ولد عبد العزيز ليقبل تمرير قانون الرموز أثناء فترة حكمه، ولو كانت طرحت آنذاك مسودته لقامت الدنيا و انفجرت أوداجٌ وتمزقت شغاف قلوبٍ ووقع أقوام مغشيا عليهم، و لخرجت حشود عارمة و لملئ البحر سفينا بالضغوط الدولية و لازدحمت الوسائل الاعلامية بالمواد المشوهة والمحرفة، ومع كل ذلك ماكان ليتراجع عن جزء من القانون تتوهم فيه حماية جنوده لتمرير جزء يحميه، فقد كان ولد عبد العزيز يفضل الموت مقبلا على جنوده و أفراد شعبه واضعا روحه على كفه _ وفي زياراته لمالي و ليبيا تحت القصف مثال حي_ من الموت في تابوت معنوي مخملي، يؤتي الهيبة قهرا و يطفئ أنوار الممشى نحو العظمة في القلوب.
ما كان الرئيس السابق قطعا ليغلق الأبواب في وجوه جنوده و يطلب الحماية دونهم بالتخلي عن الفقرة المتعلقة بتجريم تصويرهم وحمايتهم من التشهير و الاعتداء المعنوي و الإصرار على تمرير الفقرة المتعلقة بشخصه ومنصبه، مع أن كل الأصوات التي اعترضت على القانون رفضت الفقرتين معا، معاذ الله إن ربه أحسن ترحاله ومثواه.
ثم لا رمزية لنظام و لا لمسؤول عند شعبه إلا بالانجازات و منذ انتخبنا هذا النظام لم نرى مشاريع عملاقة بحجم ما كان يتحقق أثناء العشرية خاصة الخمسية الأولى منها، و أتى قانون الرموز في شهر الاستقلال ليكرس ثقافة استعباد الآراء و تسييج الحريات ليكون الانجاز الأعظم في تاريخ هذا النظام.
ومع ذلك لن نتوقف عن النقد و التعبير عن آرائنا في حدود ما يكفله لنا القانون فإن شئتم كذبتم الرئيس _الذي كرر مرارا حرصه على تكريس الحريات و عدم إغلاقه أبواب الانتقاد بقانون الرموز_ بتكييفكم كل نقد لتجريم صاحبه و إن شئتم صدقتموه، في الحالتين لا تراجع عن المسير في سبيل خدمة قضايانا.
فافعلوا ما تؤمرون.. {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ } صدق الله العظيم