"المعذبون في الأرض"...

جمعة, 03/09/2021 - 20:56
محمد الأمين المحمودي

بنشاب: 1صوت موسيقى صاخبة ينبعث من مذياع سيارة وشخص غاضب يرد: هيه،لاتتصلي علي مجددا،اتركيني وشأني والا أخبرت الناس،قصر الله عمرك.
البرد يلسع الجسد الهزيل المترنح،الكتلة تتحرك وتلتفت يمينا وشمالا بعينين خائفتين شاردتين،تحف كل واحدة منهما دائرة سوداء ضيقة،ترتعد وترتجف وتحاول رفع أسفل بطنها..لم يعد بامكانها السير والشيئ يتحرك بقوة في أحشائها،الكلاب تنبحها وتعوي الذئاب والرياح تئز وتصفر،ثم تسقط جثة هامدة  والعرق يتحدى في جبينها الزمهرير،تبلل وجهها فرفعت عينيها للسماء حيث هالة تدور حول القمر،أعين الكلاب وقد شكلت حلقة حولها تلتمع كالشهب،صمت يجلب الأصوات البعيدة،فالمدينة نامت منذ ساعات.
بعد جهد وتأوه وأنين وبكاء ومخاض مؤلم،دوى صراخ العار:ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا..
تحسست مابين فخذيها،فلامست جبهته،لم تتمكن من الجلوس،ابتعدت زاحفة ثم اقتربت من الوليد لتسكت نداءاته: أن هيا وافضحوا أمي والعنوها..قلبه ينبض وقلبها يسارع في دقاته..من لها غير الله..من لها غير رحمته،الأفواه الجائعة تنتظرها كوجبة لسنوات،رباه أي عار...رباه وتنظر للسماء لعلها ترسل الفرج..أمي،ياللعار..أمي.يتحرك فتتحرك الرغاب في احتضانه وضمه..رباه..أرضعته وأخرجت لفافة كبيرة لفته بها ثم وضعت رضاعة ومالا زهيدا تحت رأسه وتوارت في الظلام، والكلاب تشيعها لكن بصمت هذه المرة،ركبت سيارة "محسن" أراد مضاجعتها كثمن للمشوار،وحين اخبرته بأنها نفساء سأل الله لها الشفاء وأنزلها متقززا في أول محطة..دخلت مدينة الفضيلة والمآذن تنشر نداء الصلاة بين الناس ..استحمت على عجل ونامت كما لم تفعل منذ تسعة اشهر، ليعلن في المدينة بعد ساعات عن العثور على مولود لم يعش الا ساعات قليلة..بعد سنوات من هذا اليوم ماتت هي الأخرى بمرض تأنيب الضمير والبث الصامت ،وعاش شريكها في انجاب الطفل الميت لعقود وكأنه لم يرتكب اثما أدى الى موت انسان من لحمه ودمه وفتاة ذنبها الوحيد انها صدقت وعده لها بالزواج قبل ان يجرها جرا نحو الخطيئة..ماتت هي ومات الطفل قبلها وأنت أيها الزنيم عش كما تشتهي فان مات ضميرك الا ان عدالة السماء لن ترحمك يا أبا ذلك الطفل الذي لم يحمل اسما أبدا.