ما بين اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي واجتماعه غدا ، ستة أيام قضاها الرئيس بالديار المقدسة زار خلالها الروضة الشريفة واقفا على بعد أمتار قليلة من مرقد أعدل 3 رجال بتاريخ البشرية وأزهد القادة في الدنيا وأرقاهم أسلوبا وطريقة في تسيير المال العام ..... وطاف الرجل ببيت الله الحرام حيث هيبة المكان وقدسيته تنسيك في الدنيا وتقربك من الآخرة.... وسعى بين الصفا والمروة حيث معايشة واستحضار مشقة وخوف أم من هلاك صغيرها عطشا .... ثم زار المعرض العالمي للسيرة النبوية حيث مجسمات تنقلك إلى بساطة وطهارة الحياة والعدل في السكن والمعاش أيامه صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم جميعا .
تأملت صور الرجل وهو في هكذا أمكنة أو مواضع وتساءلت عما يشعر به وبم فكر وهو في حرمها وسكينتها، هل كانت تتزاحم أمامه صور البؤس والشقاء لشعب أوكل إليه أمانة فرط فيها ؟ هل فكر في قرارات كثيرة اتخذها تناقض وتتناقض مع روح وسيرة ووصايا من وقف خاشعا أمام روضتهم وطاف في حرم رب يأمر أن تؤدى الأمانات إلى أصحابها وبالعدل والإحسان و ..... ؟
الحقيقة أن صور الرئيس خاشعا في تلك المواضع المقدسة ذكرتني بالوازع الديني وشخصيات وقادة جعل استيقاظه أو استحضاره عندهم يقدمون على اتخاذ قرارات غيرت مجرى التاريخ أو من واقع شعوبهم على الأقل خاصة في وقت يكون الظلم أو الفساد أو هما معا بلغ سيلهما الربى ، تذكرت وخز الوازع الديني للخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك وهو على فراش الموت فأوصى بالخلافة لعمر ثان بدل ولي عهده هشام ، وتذكرت القاضي الأمريكي الشاب جرمي كوگلين Jeremy Coglin الذي غيرت لحظات استحضار وازعه الديني مجرى التاريخ .
في سنة 1839 ستحدث " ثورة " لمختطفين أفارقة على ظهر سفينة من سفن الرقيق تدعى اميستاد Amistad وبدل أن يتجهوا شرقا للعودة إلى وطنهم سيراليون سيبحرون بالخطأ شمالا ويقعوا في قبضة البحرية الأمريكية وستوجه لهم تهمة القرصنة والقتل ، وتدخل ملكة إسبانيا إليزابيت الثانية ( قوة عظمى آنذاك ) على الخط موفدة وزير خارجيتها مدعية ملكيتها للسفينة و " حمولتها " كما تجار الرقيق والأدهى إقحام ولايات الجنوب نفسها في القضية وجعلها مصيرية بالنسبة لها ونمط سياستها وعقيدتها وأعلن قادتها بأن أي حكم بتحرير عبيد السفينة خط أحمر ، وبعد 18 شهرا من المرافعات واقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية سيقوم الرئيس الأمريكي بمناورة في القضية قصد استرضاء الجنوبيين لضمان النجاح لمأمورية ثانية ، فقرر عزل القاضي وتكليف آخر بملف القضية ... شاب يضع أول رجل في سلك القضاء ويخطو فيه خطواته الأولى ، وكل الأسباب تجعله دمية وعجينة بيد الرئيس مارتن فان بورين- وطاقمه الإنتخابي- للحكم بما يرضيهم وشق طريقه بسهولة في مساره المهني .
عمل الجميع حسابهم وحساباتهم وراهنوا على القاضي الشاب ، إلا أنهم غفلوا عن أمر قد يقلب المعادلة والموازين ... الوازع الديني ... وكانت المفاجأة بل الصدمة بل تغير لخارطة دولة ولمجرى التاريخ ، فبعد المرافعات ودقائق قبيل النطق بالحكم وبدل أن يحتسي القاضي شايا مع ممثلي القوى السياسية الضاغطة أو مع مستشاريه ، ذهب إلى كنيسة مجاورة وجثى على ركبيتيه لدقائق عاد بعدها لقاعة المحكمة وأصدر حكمه ( التاريخي ) بحرية الأفارقة ... نقلهم على حساب الدولة لوطنهم ... تدمير " قلعة الرقيق " في لومبوكو بالساحل الإفريقي بعد تحرير كل من بداخلها من المختطفين الذين كانوا سينقلون عبيدا عبر المحيط .... خسر الرئيس الإنتخابات ... تصاعد التوتر وتطور بين ولايات الشمال والجنوب ليصل ذروته فبراير 1861 حينما أعلنت 6 ولايات من أصل 7 ( ولايات الرقيق ) الإنفصال عن الإتحاد فانتخب أبراهام لنكولن بعد شهر رئيسا والكل يعرف بقية القصة .... ميلاد أمة جديدة ستقدم للعالم من المصباح للطائرة .... الحاضرة حتى اليوم في كل تفاصيل حياة البشرية اليومية ( تقريبا ) .... النت على سبيل المثال لا الحصر.
تذكرت كل ذلك وتساءلت هل من احتمال لاستيقاظ الوازع الديني عند الرئيس غزواني بعد ستة أيام " نقاهة " بأطهر بقاع الأرض ؟ فلا طمع في وازع أخلاقي أو صحوة ضمير معه ، هل سيجلس غدا بمجلس الوزراء يستمع لبيان وزير الداخلية عن الوضع بالداخل وبيان لوزير الخارجية عن الوضع بالخارج أم سيقلب الطاولة صارخا : كفى كذبا ودورانا وتيها بالمربع الأول فبياناتكم لم تطعم من جوع ولم تسقي من عطش لأكثر من ثلاثين سنة ، نحن أقل دول القارة سكانا وأغناها بالثروات الطبيعية وأكثرها فقرا ومظالم ومآسي وشقاء .... نحن نسير في الوجهة الغلط منذ عقود ونبتعد كل يوم عن الركب ويبتعد عنا ...
#موريتانيا_عطشانة