أستاذي فضيلي، هذه رسالة مني إليك، أعبر فيها عن تقديري واحترامي لمنهجك ولقدراتك وأشكرك فيها على الهدايا التي أعطيتنا نحن معشر مناصري الرئيس السابق من أعوان القضاء من غير المتخفين خوفا وطمعا، كاشفين عن وجوهنا أمام نظام الفشل دون خوف ولا وجل.
لقد تابعت الخرجة التي خرجت فيها على الناس "كمحامي" تتحدث عن الرئيس السابق، والدستور، والقانون، وسرية التقارير، وخطورة الوقائع، وحلمك، وعطف الحاكم الذي يتمترس خلفك، وعدل القضاء الذي شرفته بمكوثك فيه أياما، وخروجك من عباءة القاضي، إلى عباءة المحامي "الذي لا يقهر".
سأصارحك، أنت بالفعل من نوع المحامين الذين يبحث عنهم من لا أمل له في أن يقنع قاض ببراءته، وتدينه كل الأدلة والبراهين كما تحكي ذلك "الأفلام الهوليوودية".
والأولى بالنسبة لي أن تكون ـ حسب ما يدعيه النظام ـ محاميا عن ولد عبد العزيز، لا عن السلطة.
إلا أن وجودك ضمن لفيف المحامين المدافع عن النظام في قضية ولد عبد العزيز، يجعل بالفعل وضع الادعاء كمن هو متهم، ويخلق للمدعى عليه فرصة الذود عن نفسه من خلال ما تقدمه سيادتك، من أدلة وبراهين على براءته.
لقد صدقتك، فأنا أحسن الظن بك، وراجعت النظام الداخلي للبرلمان، الذي هو كما قلت سيادتك، بالفعل يعتبر قانون عضوي، وبحثت فيه عن كلمتي "سري" و"سرية"، لكنني تفاجأت مع الأسف أن السرية لم يكتسيها سوى الانتخاب، أو مداولات اللجان المختصة لا تقاريرها، وذلك على النحوي التالي:
وردت هذه الكلمة 6 مرات
في المادة 13 المتعلقة بطريقة انتخاب رئيس الجمعية الوطنية.
المادة 32 حول انتخاب رؤساء اللجان في فقرتها الثالثة
المادة 33 حول انتخاب مقرر عام للميزانية
المادة 46 حول محاضر اللجان (وليس تقارير اللجان)
المادة 81 حول طرق اتخاذ قرارات الطرد المؤقت
المادة 123 حول من يحق لهم أن يكونوا أعضاء في لجنة تحقيق برلمانية.
أستاذي الفاضل، حديث هذا القانون النظامي، كان عن سرية المداولات، ولم يستثني ولا لجنة واحدة من اللجان، حتى لجنة مجالات السيادة لم يجعل لتقاريرها طابعا سريا. ما رأيك في هذا؟
الغريب أيضا سيدي الكريم، أنك حين تحدثت عن سرية التقرير، أصررت على أنه أيضا لا يمكن للنواب أن يخرجوا به من الجمعية الوطنية. دأبك في ذلك دأب رئيس الجمهورية الذي قال إنه لم يطلع على تقرير لجنة التحقيق، وأصدقه في ذلك، رغم استحالته ما دام وزير العدل يطلع حتى على إجراءات ما قبل بدء التحقيق. مخافة التداخل بين السلط، ما رأيك بذلك؟
متأسف إلى أن المادة 47 من نفس القانون النظامي، لن تعجبك سيدي، فهذه المادة تتحدث عن نشر (أعمال) اللجان في البرلمان، ورغم أنها تطلب موافقة أعضاء اللجنة على نشر تلك الأعمال، وتشترط في حالة استجواب شخصيات ما، أن يؤخذ رأي هذه الشخصيات في النشر من عدمه، إلا أن اشتراطها ذاك ينتفي في حالة لجان التحقيق، بمعنى أن المشرع رجح نشر التحقيقات التي تعدها اللجان البرلمانية دون إذن المستجوبين من طرفها. ما رأيك؟
ثم، ومن حيث المنطق، كيف جاز أن ندوس على حق الدفاع المقدس في سبيل تبرير عدم نشر تقرير يرجح المشرع نشره ويوصي بعدم أخذ موافقة المستجوبين في هذه الحالة. والمفارقة أن المستجوبين (بفتح الواو) هم من يريدون أن ينشر التقرير رغم ذلك.
ورغم استغرابي لما ذهبت إليه من تحليل، سأصفه بحسن النية، فأنت تقول أيضا بضمان محاكمة عادلة بحسب ما أوعزت لك الحكومة، وأنت تعرف جيدا، إن كنت المحامي الذي يدعي، أن الحكومة لا دخل لها في ضمان محاكمة عادلة من عدمه نظريا، وإن كانت متغولة على القضاء بحسب شهادة القضاة أنفسهم، وآخرهم ما قاله رئيس محكمة الميناء، ردا على الكاتب محمد محمود ولد بيه في مقاله الشهير "وزير العدل يكتب"، رغم تفاجئي من أن يكون هذا بداية عنوان، وكأنه إنجاز في عهد رئيسك، وكأن وزراء العدل لم يكونوا يكتبون قبل عهدكم الميمون.
في نظر الدستور الحكومة غير معنية مطلقا بالحكم الذي يصدره القاضي الجالس، ولا يخول لها التدخل فيه. ما رايك؟
الحقيقة يا سيدي، أنك خلطت الأوراق، وقدمت معلومات لا تستند إلى مرجع قانوني، ولا يسعفها المنطق ولا العقل.
ثم دعني أذكرك بوعدك الذي قطعت على نفسك: "ألا تكون جزءا من محاكمة غير عادلة"، أرجوك لا تنسى وعدك يا فضيلي، فيما يخص محاكمة ولد عبد العزيز، ولا تنساه أيضا فيما يخص الشكوى محاكمتك أمام القضاء بعد الشكاية المقدمة ضدك من طرف الرئيس السعد ولد لوليد، والتي إن ثبتت عليك، فلن ترافع بعدها أبدا أمام المحاكم، ولن تنافح أبدا بعدها عن حزبك المختطف.
فقط أعدك وعد صادق غير كذوب، بإذن الله، أن قضية ولد عبد العزيز ستتجاوزك وبقية زملاءك، رغم تقديري واحترامي الشديد لكم.
نعم ستتجاوزكم وستصل إلى المحرك الفعلي لها بغية تصفية الحسابات مع خصوم سياسيين لا يرحمون، وقوى حرة لا تتزحزح، ليتعزز الحصار بعد ما أحدثت "خيبة أمل المواطن في نظامك" وتلك وحدها تكفيه.
في الأخير، عليك أن تنصح الرئيس بأن يبحث عن طريقة أخرى ليواري بها سوءات نظامه، فقضية ولد عبد العزيز إنما تجسد فشل نظامكم في الاستظهار بها كبطولة، حتى صارت "وصمة عار" تبحثون عن مخرج منها، ولن يكون ذلك أبدا بمساعدة الرئيس السابق، ولا حزبه وقادة الرأي فيه.