في عام الرمادة هذا وعلى امتداد مأمورية الخواء والتيه، يفطر الموريتانيون كل صباح على فصل جديد وساخن من مسرحية الزعيم، ولعلها كانت من أواخر ما تفتقت عنه قرائح نخبنا الميمونة على درب النهضة الفكرية المستوردة في تاريخنا الحديث، بدءً بالماركسي منه ومرورا بالقومي والإخوانى العتيقيْن، ولن يفوتني أن أسطر كيف أعاد الموريتانيون كتابتها وإخراجها بتصرف وبأسلوب موريتاني أصيل دون الالتفاف على الملكية الفكرية للإنسان المصرى إضافة إلى تحويلها من فكر ثقافي تنويرى إلى واقع سياسي معاش، إنه السبق ولنا ان نتأمل.
لا غرابة فقد اقترن فنُّ السياسة عندنا بالتمثيل منذ الوهلة الأولى حيث أبدع روادنا في هذا الحقل وأعطوا بسخاء لا يضاهيه الا ما كان شعرا. إنما أنتجته نخبنا السياسية المتعاقبة منذ الاستقلال لدليل ساطع على ما نحن فيه.
ان الفشل الذريع في إنتاج فكر سياسي نابع من ثقافة المجتمع وعقيدته يلامس خصوصية البلاد وتركيبتها الديموغرافية قد ظل عقبة دون التأسيس لأحزاب سياسية تصهر المجتمع وتنتج نخباً قادرة على الاستقامة في العطاء ونهج البناء بدل أحزاب خدج ظلت على مر التاريخ حبرا على ورق أو أفكارا مريضة في مخيلة أصحابها!.
ان التسويق لفكر سياسي قومي في بلد متعدد الأعراق هو فكرة هدامة تهدد الوطن بالزوال، ثم إن استنساخ نظرية حسن البنَا في مهد المرابطين حيث يولد الفرد على الفطرة وينهل قبل اشتداد عوده من معين فكر شيوخنا الميامين بعيدا عن التصنع وإكراهات التاريخ والجغرافيا، لن يكون أحسن حظا من الذي يروج للنظرية الاشتراكية والذى هو ضرب في حديد بارد، لذا فقد ظلت المحصلة فشلاً على فشل!.
انما نعيشه اليوم من أزمات خانقة على المستويين المادي والبشري هو نتيجة حتمية لما اقترفته نخبنا السياسية المتعاقبة، فقد تولت كوادرها تسيير البلاد منذ 1978م حيث اقتصر دور المؤسسة العسكرية على مقعد الرئاسة، ومع كل هذا فقد أبدعوا في التملص من المسؤولية والإلقاء باللايمة على الغير.
ان انقلابهم على دستور البلاد وإعادة كتابته بحبر الخيانة وتصفية الحسابات ثم الالتفاف على المادة 93 المحصنة لرئيس الجمهورية ضد المساءلة عن كل فعل أو خطأ ارتكبه خلال مأموريته باستثناء الخيانة العظمى هو تكريس لبداية عهد الجمهورية الرابعة، وعلى الموريتانيين أن يكونوا على مستوى التحديات مع بداية عهد جديد من عدم الاستقرار السياسي، عنوانه السقوط في مستنقعات الأجندة الدولية الخارجية.
إن على المبشرين أو والتبشيريين برأس الزبير هذه الأيام حيث أصبح الأمر عقيدة، أن يدركوا أن الرئيس الرمز محمد ولد عبد العزيز ليس من طينة الرجال الذين ينجون بجلودهم، وأن تقديمه لمحاكمة سياسية جائرة لن يزيده إلا اصراراً و تصميما و استماتة في تمسكه بحقوقه الدستورية والمدنية، وأن الظاهرة العزيزية في طريقها إلى التجذر والشموخ، وستتحول إن شاء الله إلى زلزال يقتلعهم من جذورهم وإن غداً لناظره لقريب.