الرجل…!

أحد, 14/09/2025 - 20:37

فِي دَرُوبِ الحَيَاةِ وَمَتَاهَاتِ الزَّمَانِ، لا يَبْرُزُ كُلَّ يَومٍ رَجُلٌ يَحْمِلُ فِي مَلامِحِهِ سِمَاتِ العَظَمَةِ، وَيَصُوغُ بِأَفْعَالِهِ مَعَانِي الشَّهَامَةِ، فَتَشْهَدُ لَهُ المَواقِفُ قَبْلَ الأَلْسُنِ، وَتَنْحَنِي لِذِكْرِهِ أَرْوَاحُ الأَعْدَاءِ قَبْلَ الأَصْدِقَاءِ. رَجُلٌ، لَو تَحَدَّثَ الزَّمَانُ لَنَطَقَ بِاسْمِهِ، وَلَو أَرَادَتِ الرِّجَالُ مِثَالًا لِلرُّجُولَةِ لَاتَّخَذَتْهُ مِيزَانًا وَمِقْيَاسًا.

رَجُلٌ للهِ دَرُّهُ، مَا عَرَفَ التَّرَدُّدَ يَومًا، وَلَا خَشِيَ فِي مَسِيرَتِهِ إِلَّا الضَّعْفَ وَالتَّوَانِي. صَلْبٌ كَالجَبَلِ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيَاحُ، وَرَقِيقٌ كَالغَيْثِ إِذَا أَجْدَبَتِ الأَرْضُ. كَانَ مَسِيرُهُ صَدًى يَتَرَدَّدُ فِي القُلُوبِ، وَحُضُورُهُ طَيْفًا يَسْتَحْضِرُ العِزَّةَ وَالكَرَامَةَ.

لَمْ يَكُنْ زَعِيمًا بِالمَقَالِ وَالشِّعَارِ، بَلْ زَعِيمًا بِالمَوْقِفِ وَالأَثَرِ. حِينَ تَزِلُّ الأَقْدَامُ يَبْقَى ثَابِتًا، وَحِينَ يَتَفَكَّكُ الحَبْلُ يَبْقَى مُحْكَمًا، وَحِينَ يَغْمُرُ الظَّلَامُ يَبْقَى مِصْبَاحًا يُرْشِدُ السَّائِرِينَ.

شَهِدَ لَهُ أَعْدَاؤُهُ قَبْلَ أَصْدِقَائِهِ، وَأَقَرَّ الحَاسِدُ قَبْلَ الوَفِيِّ أَنَّهُ رَجُلٌ بِمَعْنَى الكَلِمَةِ، فَصَارَ ذِكْرُهُ عَلَى الأَلْسُنِ كَالأُغْنُوَةِ تُرَدَّدُ، وَسِيرَتُهُ فِي القُلُوبِ كَالمَنْهَلِ العَذْبِ تُسْتَقَى.

إِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي مَا تَرَكْتَ خُطُوَاتُهُ أَرْضًا إِلَّا زَيَّنَتْهَا، وَلَا مَرَّ ذِكْرُهُ بِمَجْلِسٍ إِلَّا أَحْيَاهُ. رَجُلٌ تَرْتَسِمُ فِي مَعَانِيهِ مَلاحِمُ المَجْدِ، وَتَتَجَسَّدُ فِي سِيرَتِهِ أَسَاطِيرُ الرُّجُولَةِ، حَتَّى أَصْبَحَ مِثَالًا نَادِرًا، وَعَلَمًا شَامِخًا، وَصَفْحَةً لَا تُطْوَى مِن صَفَحَاتِ العِزِّ وَالبَهَاءِ.