بنشاب: الجاهل جاهل على نفسه، فهذه مشكلته، ولكنه إذا أمسك قلما أو ميكروفونا، صارت هذه مشكلتنا نحن، لأن هذا معناه أن جريمة ما فى الطريق!
أزمة بدون «لازمة»، تسبب فيها مراسل بقناة نادى «الزمالك» كان يتحدث عن مشكلة تأخر طائرة فريق الكرة بالنادى المتجهة إلى السنغال لخوض مباراة فى بطولة إفريقيا، فقد «أفتى» بثقة شديدة بأن طائرة الزمالك تأخرت فى موريتانيا، لأن موريتانيا بها حرب أهلية!
هكذا بكل بساطة!
طبعا ما قاله المراسل «أى كلام»، وهذا الـ«أى كلام» لم يجد من يصححه ولا من يوضحه، لا المعلق الجالس فى الاستوديو، ولا ضيفه، لأن الإثنين «لعيبة كورة»، ووجدا نفسيهما يعملان فى تقديم البرامج التليفزيونية، أما عن طاقم الإعداد أو المخرج فلا تسل، لأنه كان واضحا أن المراسل هو أكثر الموجودين فى هذا البرنامج معرفة وخبرة، بدليل أن المخرج سارع بعرض عبارة «خبر عاجل» على الشاشة، وكتب عليها بالبنط العريض عبارة تقول: «سبب منعنا من دخول موريتانيا هو حصول حرب أهلية»، وطبعا الصياغة بهذه الطريقة تشير إلى أن الحرب الأهلية اندلعت “الآن”، ومراسل «الزمالك» هو أول من اكتشف ذلك!
لست من هواة اصطياد الأخطاء لأي إعلامى أو صحفي، فلا أحد منا ممزهوعن الخطأ، وليس منا من لا يخطئ أبدا فى عمله، ولكن في مهنتنا، هناك أخطاء تغتفر، وأخرى لا تغتفر، وهناك أخطاء ناجمة عن سوء حظ، أو جهد زائد أو ضغط ما، فمن يعمل كثيرا يخطئ كثيرا، ولكن الأخطاء الناجمة عن فقر معلومات، وتأليف أخبار، وادعاء المعرفة والخبرة، وأساس مهني مفقود، ليست أخطاء مهنية، ولكنها جرائم تروي لنا بحروف مدادها الدم والدمع، ما تتعرض له مهنة الصحافة والإعلام من «بهدلة»، على يد من دخلوها وتسللوا إليها بالتوريث أو الواسطة أو «الاستظراف» أو أشياء أخرى على مر سنوات، وجعلت المهنيين المحترمين منا يجلسون فى منازلهم بلا عمل، وبلا صوت!
طبعا هى فضيحة، وفضيحة سخيفة جدا، تضاف إلى قائمة فضائح سابقة تسببت فى إيذاء مشاعر دول وشعوب شقيقة وصديقة أخرى، لا داعى لذكرها مجددا، كى لا نقلب المواجع، ويكفى ما أثاره ذلك المذيع الشهير جدا المفروض علينا «بالتوريث»، بسبب تعليق سخيف عن أبناء الريف والصعايدة، وحسنا فعل المجلس الأعلى للإعلام بمعاقبته وإيقافه.
ولكن الأسوأ فى فضيحة الزمالك هذه أنها تحولت سريعا إلى فقرة دسمة للغاية فى قنوات «الإرهاب» استغلتها للتطاول على قيمة وقامة الإعلام المصرى، فى وقت نفخر فيه بأي كلمة تقال من شقيق أو صديق فى حق قوة مصر الناعمة، من أفلام ومسلسلات وبرامج وصحافة، وغير ذلك.
قبل ساعات قليلة، تواصل معى صديق موريتانى تمتد علاقتى معه لسنوات، وهو الصحفى الشيخ سيدى محمد، وهو المدير العام المساعد لوكالة الأنباء الموريتانية AMI، وكان شديد الاستياء مما حدث، فمن الواضح أن فضيحة قناة الزمالك «سمعت» عندهم سريعا، سواء بسبب أن الإعلام المصرى يحظى بمشاهدة واهتمام كبيرين من جانب الشعب الموريتانى المحترم للغاية، شأنه شأن أشقائنا فى المغرب وتونس والجزائر، أو بسبب الدور الذى يلعبه «أولاد الحلال» فى تصعيد الأمور ومزيد من الوقيعة ونقل ما حدث بصورة مسيئة إلى الإخوة الموريتانيين.
الشيخ سيدى محمد قال لي: «لقد أثارت مداخلة صحفى الزمالك ضجة كبرى فى الجمهورية الإسلامية الموريتانية، حيث أعلن بالحرف الواحد أن السبب الذى جعل موريتانيا ترفض مرور طائرة الزمالك هو حرب أهلية فى موريتانيا – لا قدر الله – ولكن الحقيقة أن الطائرة لم تأخذ ترخيصا بعبور الأجواء الموريتانية، والحمد لله أن موريتانيا لم تشهد حربا أهلية لا فى الماضى ولا فى الحاضر»!
وأكد سيدي محمد أيضا أن «اعتذار الصحفى لم يكن على المستوى»!
طبعا أصابع «أولاد الحلال» ما زالت تعبث فى الموضوع لإشعاله أكثر، ولكن فى حقيقة الأمر، ما استفزنى أكثر هو كلمة «صحفي» التى استخدمها الصديق الموريتانى وهو يتحدث عن مراسل قناة الزمالك، لأنها كلمة تلخص المأساة!
لقد ارتضت مهنتنا فى العقود القليلة الماضية، أن «أى حد» يمكن أن يعمل صحفيا، أو إعلاميا، أو مذيعا، بمواصفات ومبررات لا علاقة لها بالمهنة، فرأينا أبوابا خلفية كثيرة للحصول على لقب «صحفي» أو إعلامي» أو مقدم برامج.
رأيت بعينى صحفا صغيرة كانت تقبل كل «من يمر أمامها»، بدون مبالغة، ليعمل ضمن صفوفها، وبعض هؤلاء صاروا نجوما وقادة رأى الآن!
ورأيت بعينى أيضا من كان يحلم بمجرد المرور من أمام باب جريدة، وهو الآن يعمل بها، ويقتات من خيرها، ويتعامل مع الآخرين من طرف مناخيره!
ورأيت أيضا ما هو أكثر من ذلك، ولا أستطيع أن أقوله منعا للفضائح!
وها نحن جميعا ندفع الثمن!
هاني عسل
الأهرام.. الأربعاء.. ٢٤ فبراير ٢٠٢١