خلال سنة 2011، نظم "الإخوان" وإخوانهم "مليونيات" على شارع "جمال عبد الناصر" واعتصامات في أروقة جامعة نواكشوط، وذلك في إطار "الربيع العربي"، فلم يعترضهم شرطي واحد ولم تُلق ضدهم مسيلة واحدة للدموع ؛ وبعد أن بحت حناجر المشاركين وتآكلت أحذيتهم على الأرصفة لكثرة التظاهر، قرر الجمع التفكير في مقاربات أكثر جدوائية للوصول إلى السلطة. فتم استغلال أكثر من شائعة لزعزعة أمن البلاد، ولعل الجميع يذكر قصة المصحف الشريف المفتعلة في أحد مساجد مقاطعة "تيارت" وما واكبها من اللغط دغدغة للعواطف والتظاهر في اتجاه القصر الرئاسي في حدود الثانية بعد منتصف الليل...
وخلال حادثة "اطويله" وفي ظرف حرج أمنيا وإنسانيا، انبرت زعامات "إخوانية" وازنة تؤكد ما نفته الوقائع لاحقا، وذلك دائما في إطار الترويج للحل "الربيعي".
لقد عول "الإخوان" على "المأمورية الثالثة" لإقناع الشارع الموريتاني بمشروعهم الفوضوي المؤجل، إلا أن الرئيس السابق أجهض جهودهم مجددا، انتصارا لدستور البلاد وكرامة شعبها.
لقد اصطفوا خلف أحد المرشحين خلال الاستحقاقات الرئاسية الأخيرة، إلا أنه، وكما عودوا الشعب الموريتاني على ذلك منذ انطلاق المسلسل الديمقراطي بداية التسعينيات الماضية، لم ينجح مرشحهم ؛ ولو كانت لديهم قناعة دنيا بالديمقراطية لانشغلوا بتنظيم حزبهم إقناعًا للشعب الموريتاني بطرحهم السياسي وتحضيرا للانتخابات القادمة ؛ فلو نجحوا ديمقراطيا، لقبل الجميع بحكمهم واجتهاداتهم، دون مضايقة لهم على الوظائف أوالمنافع...
فبدلا من ذلك، خطط "الإخوان" ل-"ربيع برلماني" يستهدف شق صف الأغلبية الرئاسية الحالية إضعافا لها سياسيا وفرضا لمشاركتهم في تسيير أمور شعب قال كلمته الفصل بهذا الخصوص في الوقت المناسب وبصفة جلية وديموقراطية. فلولا جدل "المرجعية" داخل الحزب الحاكم، لما نجحت المخططات الانتقامية والانتقائية التي تم تمريرها تحت يافطة "لجنة التحقيق البرلمانية" المسيسة و"الحرب على الفساد" المفترض، ولما تحول (بقدرة قادر) من كان ينافح أمس عن "المأمورية الثالثة" إلى مطالب بمحاكمة قاسية للرئيس السابق خرقا لدستور البلاد. وعلى الرغم من أن ملف "الفساد" لا زال بيد السلطة التنفيذية (النيابة العامة)، فقد انفرط مبكرا عقد التودد الشفهي والدعم المسموع والمكتوب (الغلبو اجري إگول الشيله...) من لدن "الإخوان"، جماعات وفرادى، لسلطات البلاد الحالية، حتى أصبح يخيل إلى المتتبع للشأن العام أن هناك نفيرا عاما من طرف قياداتهم تجاه القصر الرئاسي.
إن لهذه الهرولة الشاملة خلف حلم "التحول الإجماعي" مسوغات وطنية وشبه إقليمية وإقليمية ودولية لا تخفى على أحد، إلا أن مصلحة موريتانيا اليوم تقتضي احترام إرادة الناخب طبقا لنتائج آخر استحقاق رئاسي وإعادة ترميم صفوف الأغلبية مواجهة للإكراهات الحالية والقادمة بما فيها الظرف الصحي الضاغط (إِبرَّد باسو) وصياغة مقاربة مقنعة ضد ظاهرة الفساد والتحضير للانتخابات القادمة، واحتكام جميع الفرقاء الساسيين، في الوقت المناسب، إلى صناديق الاقتراع (والبكاه “صوتو”...)، كل ذلك دعما للاستقرار والديمقراطية ودولة القانون.