الظلم الاجتماعي وأثره السلبي في عدم تطور المجتمعات/أحمدو سيدي محمد الگصري

أربعاء, 17/09/2025 - 10:24

بنشاب : يُجمع المفكرون على أن العدالة هي الأساس الصلب الذي تُبنى عليه المجتمعات القوية. فإذا اختلّ ميزان العدل، وساد الظلم الاجتماعي، تعطّل مسار التنمية، وانشغل الناس عن البناء بالتذمّر والشكوى. إنّ الظلم لا يقتل الطموح الفردي فحسب، بل يزرع أيضاً بذور التراجع في جسد الأمة، ويجعلها عاجزة عن تحقيق قفزاتها الكبرى.

1- التجربة الأوروبية والتوازن في معايير العمل

لقد شهدت أوروبا نهضة حقيقية لم تكن بسبب تفضيل المرأة على الرجل أو العكس في ميدان العمل، بل نتيجة اعتماد الكفاءة والجدارة معياراً وحيداً في الانتقاء. فحين تتقدم الكفاءات بلا نظر إلى جنس أو فئة، يُطلق المجتمع طاقاته الكامنة جميعاً. أما حين يُقصى الرجل لحساب المرأة أو تُهمّش المرأة لصالح الرجل، فإن الخسارة تعمّ الجميع، ويضعف صرح التنمية.

2- الشباب والخبرة: تكامل لا تناقض

لا يجوز النظر إلى الشباب بوصفهم وحدهم معياراً للتجديد ولا إلى كبار السن على أنهم عالة على المجتمع. فالحقيقة أن الشباب يحملون الحيوية والطموح، فيما يمتلك كبار السن الخبرة والنضج. والعدل الاجتماعي يقتضي أن يجتمع الطرفان في ساحة البناء، لأن التنمية تحتاج إلى طاقة الشباب وحكمة الشيوخ معاً، لا إلى إقصاء أحدهما لصالح الآخر.

3- العدل أساس تكافؤ الفرص

إن من أبسط مبادئ الإنصاف أن يُقاس الجميع بالمكيال نفسه. فإذا ساد العدل في ميدان التعليم والعمل وتوزيع المسؤوليات، شعر الأفراد بالانتماء وارتفعت روح التضامن. أما إذا تفرّق الناس بين محاباة وتمييز، فإن النتيجة لا تكون سوى الإحباط، وضياع الطاقات، وتعطّل مسيرة التقدم.

4- التكوين المهني طريق الأمم إلى التطور

يُعدّ التكوين المهني الطريق الأقصر نحو نهضة المجتمعات، لأنه يزوّد الأفراد بالمهارات العملية التي تحتاجها سوق العمل، ويحوّل الطاقات البشرية إلى قوة إنتاجية حقيقية. غير أن نجاح هذه المؤسسات مرهون بالاعتماد على أصحاب الخبرة الطويلة في ميدان التكوين، لا بجعلها ساحة لتجارب حول مدى فعالية فئة معينة من النساء أو الشباب. فالتجريب على حساب جودة التكوين إنما يعني التفريط في مستقبل الأجيال القادمة، وهو ظلم آخر يُضاف إلى سلسلة الممارسات التي تعيق تقدم الأمة.

خاتمة

إن الظلم الاجتماعي لا يترك أثراً فردياً فقط، بل يمتد ليصبح عائقاً حضارياً يعطل مسيرة التنمية. والتاريخ يشهد أن العدالة، والتكافؤ، وتقدير الكفاءة والخبرة، هي وحدها القادرة على قيادة الأمم إلى التطور الحقيقي. فإذا جمعنا بين العدل الاجتماعي والتكوين المهني الرصين، فإن أبواب النهضة ستظل مشرعة أمام مجتمعاتنا.

أحمدو سيدي محمد الكصري بخير وطني في التوجيه المهني وهندسة التكوين