رجل الساحل القوي .. داهية الصحراء (4)

أربعاء, 25/11/2020 - 20:11

لم يكن العسكري الصارم الذي تلقى أساسيات تكوينه في المدارس العسكرية الجزائرية-معلومة لايعرفها عنه الكثيرون- وتخصصه بعد ذلك بالكلية الحربية في مكناس، يظن بأنه سيضطر يوما للقيام بإنقلاب عسكري على نظام سياسي هو من صنعه، مبررا ذلك علنا بإحباط محاولة لوأد الديمقراطية الوليدة، ولخاصته بضرورة الحفاظ على كيان الدولة من الأخطار الخارجية التي تهددها، وكان وقتها يعي ما يقول حسب مقربيه..
وكان لهذا الانقلاب مابعده من صدام داخلي مع القوى المناهضة له، وخارجي بمراجعة العلاقات مع الجوار والأشقاء، في إفريقيا والعالم العربي.، وسأحاول سرد بعض المعلومات حول كيفية إدارته لعلاقاته بالمغرب والجزائر والجمهورية الصحراوية..
لم يكن أحد ضباط الجيش الموريتاني بالرباط خلال الفترة الانتقالية الأولى يحسب أنه ستكون لغنيمته الذي أخذها على بساطة من فِيهِ أحد نظرائه المغاربة في عشاء بمناسبة عيد العرش لتلك السنة، صدى على مستوى العلاقات الرسمية بين البلدين الشقيقين..
ففي ذلك العشاء تحدث الضابط المغربي بشكل عفوي عن الثقافة الموريتانية، وسمى أشياءً بمسمياتها الحسانية، وسمى قبائل بأسمائها ونفوذها في السياسة والجيش والاقتصاد، وكأنه عاش ردحا من الزمن رحالة بين نواذيبو وفصالة، مما شد انتباه الضابط الهادئ لذي بادره بالسؤال عن ما إذا سبق له وأن زار موريتانيا، رد بالنفي..
نقل الضابط تفاصيل الحديث لصديقه #عزيز المتحكم وقتها في مفاصل الدولة، رغم انها في مرحلة انتقالية، لم يهمل الأخير هذه الحادثة، إلى أن أصبح الحاكم الرسمي للبلد، بدأ في تطبيق سياسات جديدة مع الشقيقتين المغرب والجزائر، مبنية على أخذ نفس المسافة بين الطرفين، والمساواة في إتاحة الفرص للاستثمار والتصدير لكليهما، وهو ما واجهته صعوبات كبيرة في تطبيقه..
في الوقت نفسه كانت الدولة تعمل جاهدة على تقوية جهاز المخابرات وتزويده بمختلف المعدات، فاشترت جهاز متطور لتسجيل مكالمات كل الارقام التي تسجل به، من شركة اسبانية، لغرض متابعة عناصر القاعدة شمال مالي وخلاياها داخل الوطن، ومتابعة كل أجنبي أو مواطن محل شبهة.، فكانت النتيجة كارثية وصادمة، فكشفت تغلغل الشقيقة في مفاصل الدولة، وهيمنتها على الإعلام الخاص، ورجال الأعمال، واطلاعها على تفاصيل استراتيجيات القطاعات الحكومية في كل المجلات، يزودها بهم مسؤولين موريتانيين، مما شكل صدمة للرجل الذي طالب فورا باستبدال السفير والطاقم - تحدثتُ عن هذه النقطة في موضوع سابق- مما تسبب في أزمة سياسية دامت عدة سنوات، حتى وصل الحد بها أن #عزيز ظل خلالها يتجنب الأجواء المغربية في كل سفرة.
زد إلى ذلك أن #عزيز حاول مرارا استغلال هذه القضايا بفتح صفحة اقتصادية جديدة مع المغرب ينقل من خلالها التجربة المغربية في مجال الزراعة، بالاستثمار فيها بالشراكة مع موريتانيين، لكن المغاربة رفضوا، مما دفعه إلى خلق قناة ري بطول 60 كلم أشرفت عليها الهندسة العسكرية، وقام اجانب بالاستثمار فيها، وزراعة بعض الفواكه الغالية الثمن ك"التوت البري"..
ورغم ان الدولة زادت من نسبة الضرائب على الواردات الزراعية المغربية، لكن ذلك لم يغير من حجم صادراتها تجاه موريتانيا ولا من موقفها من الاستثمار في مجال الزراعة فيها.. واستمرت موريتانيا في تقليص تمثيلها بالمملكة حتى لبى  المغرب مطالبه بخصوص الطاقم الدبلوماسي..
أما على الضفة الأخرى فسياسة #عزيز ترى أن الجزائر التي خدمت موريتانيا في السراء والضراء، بتأمينها للأوقية وقت انشائها، وتأمينها عسكريا في تلك الفترة، خوفا من مهاجمتها من الأطراف الدولية المناهضة لفكرة تأسيس العملة الوطنية، ثم تزويدها بمصفاة للنفط، وانشائها للشركة الجزائية الموريتانية للصيد ELMAP، وشركة ELF, التي كانت ساعدت كثيرا في ثبات اسعار المحروقات، كل هذا لم يشفع لها في ان تجد مكانها إلى جانب شقيقاتها في السوق الموريتانية، وذلك يعود إلى تمكن الجهات الأخرى من بوصلة أصحاب القرار في الدولة، وهو ما دفع #عزيز خلال سنوات حكمه في خلق توازن في الشراكة بينه وبينهم، ولم يخفي انحيازه إلى الجزائر في ما يتعلق بالتنسيق الأمني، حيث قاد مجموعة، G5 لتوقيع اتفاقيات لتبادل المعلومات الاستخباراتية..
من جانبها كانت الجزائر ودية في تعاملها الأمني مع موريتانيا، ولم ترفض لها أي طلب في تلك الفترة، فعلي سبيل المثال حين دخل #عزيز في وساطة لإطلاق سراح الجنود الماليين، قدم ضمانات للطوارق بالسعي إلى جمع شملهم في مؤتمر دولي، طالب الجزائر وقتها بالسماح لهم بإقامته على أراضيهم، وهو مالبته فورا، وتواصل التنسيق الأمني على أعلى المستويات حتى تمت السيطرة بشكل كامل على مناطق نشاط المهربين والقاعدة على الحدود بين البلدين، وهو ما استفادت منه موريتانيا بحذف اسمها من الآئحة الحمراء المحظورة على السياح..
أما علاقته بالجمهورية العربية الصحراوية، فكانت علاقة شقيق بشقيق وجار بجار، ولم تكن أبدا - حسب مقربيه- على حساب المغرب، بل كانت أولا لتعزيز الأمن في تلك المنطقة، وهو ما ساهمت فيه الجبهة بشكل فعال، وبلغ مبلغه عند #عزيز الذي أنشأ مهبط للمروحيات في صحراء تيرس  وصار يلتقي مع قادتها بشكل دائم..
دمتم.

يتواصل

سليمان محمد ديدي