قطاع السياحة بموريتانيا (تقرير)

أربعاء, 01/07/2020 - 10:15

يعيش قطاع السياحة في موريتانيا أسوأ فتراته، بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا. وكانت الخاسر الأكبر في البلد من التدابير المحلية والدولية المرتبطة بالجائحة، فقد خلت الوجهات السياحية من الزوار ، والفنادق من الضيوف والمحال التجارية من زبائنها وتحولت الأماكن السياحية إلى أشباحٍ مخيفة وتم إلغاء أو تأجيل كل الفعاليات المرتبطة بالموسم السياحي.

صحيفة ” المرابع ” في هذا التحقيق الإخباري، تكشف الوضعية المؤلمة للسياحة في موريتانيا وما لحق بالقطاع من خسائر نتيجة استمرار الاستنزاف الحاد الناتج عن جائحة فيروس كورونا، كما يسلط التحقيق الضوء على الإهمال الذي يواجه المقدرات السياحية في البلد.

 السياحة الخاسر الأكبر..

كانت السياحة الخاسر الأكبر  بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة  منذ منتصف مارس الماضي ، خوفا من تفشي عدوى فيروس كورونا المستجد.

 وتسود المستثمرين أجواء من القلق والخوف وعدم الاطمئنان للمستقبل المنظور على الأقل.

فحتى بعد رفع إجراءات الحظر وفتح مطارات البلد، فليس من المتوقع  أن يتعافى القطاع ويعود إلى ماضيه.

وضمن هذه الإجراءات يتوقع أن تحذر دول أوروبا والولايات المتحدة رعاياها من السفر إلى  الدول التي تفشى فيها فيروس كورونا، على الأقل سنة من الآن.

 ولاشك أن هذه الإجراءات ستواصل ضرب قطاع السياحة في العمق ، خاصة وأن السياح الأوروبيين يشكلون %80 من السياح الذين يزورون البلاد سنويا ، فيما يمثل الآسيويون والأميركيون نسبة 20 % الباقية، حسب آخر تقديرات اطلعنا عليها.

ووفق العديد من المتابعين، فستعتمد الدول المصدرة للسياح ما أصبح يعرف ب “مفهوم السياحة الآمنة” ، الذي يضع الكثير من الشروط والقيود المتعلقة بمنع تفشي فيروس كورونا.

استراتيجية ..

 أعلن  الوزير الأول اسماعيل ولد بده ولد الشيخ سديا، في تقديمه لبيان السياسة العامة أمام الجمعية الوطنية ، أن  الحكومة ستعد إستراتيجية إعلامية لترقية السياحة بغية الترويج لموريتانيا كوجهة سياحية.

 وسيتم العمل على توسيع الطاقة الاستيعابية الفندقية بشكل معتبر عن طريق خلق مناخ موات للاستثمار السياحي وصياغة مشروع لتطوير البنى التحتية السياحية.

وقال إن الحكومة قامت بإعداد مشروع لتطوير السياحة البيئية لتكون محركا للتنمية المستدامة للاقتصاد الوطني، خالق لفرص العمل ومدر للدخل.

وأضاف الوزير الأول ، أنه بالتوازي مع هذه الجهود، سيتم إنشاء مدرسة للتكوين في المهن الفندقية وتعزيز قدرات الفاعلين في القطاع.

و أكد أنه، سيتم تعزيز وتثمين دور بعثاتنا الدبلوماسية في ترقية السياحة لاسيما سياحة المؤتمرات. على حد وصفه.

توقف مفاجئ :

لكن هذه الإستراتيجية التي أعلن الوزير الأول عنها لم تر النور، فقد انشغلت الحكومات والمواطنون في العالم على حد سواء ، بجائحة فيروس كورونا ودخلت الدول أوضاعا جديدة ، فأغلقت المطارات والمنافذ ومنعت الدول مواطنيها من السفر داخل القطر وخارجه.

  دخلت موريتانيا، كبقية دول العالم  منذ  منتصف مارس 2020 حربا مفتوحة لمواجهة فيروس كورونا.

فأغلقت الحدود والمطارات والمنافذ البحرية، ضمن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة خوفا من تفشي عدوى فيروس كورونا المستجد.

ألغيت جميع الرحلات السياحية السنوية القادمة من فرنسا والمتجهة نحو ولاية “آدرار” شمال البلاد، والتي كانت مبرمجة مسبقا في إطار ما يعرف بالموسم السياحي، وكان من المنتظر بدء وصول أول فوج منها.

أصبح من الواضح بعد كل هذه الإجراءات والظروف المحلية والدولية،أن قطاع السياحة يواجه تحديا لا يقل سوء عن ما واجهه سابقا بسبب الهجمات الإرهابية وإدراج مناطق سياحية من موريتانيا ضمن دائرة الخط الأحمر، آنذاك.

قطاع واعد ..

توفر صناعة السياحة حوالي 1400 وظيفة مباشرة وأكثر من 500 وظيفة غير مباشرة،  فضلا عن عائدات تقدر ب 7 ملايين دولار سنويا، وهو رقم طبعا منخفض، خاصة إذا تمت مقارنته بفترات سابقة.

فخلال سنة 2007، والذي تعتبر آخر الفترة الذهبية للسياحة، كانت عائدات القطاع  تقدر بنحو 25 مليون دولار وهو ما يعادل 3.5% من ميزانية الدولة آنذاك.

ضربات موجعة..

تعرضت السياحة في موريتانيا لضربات موجعة، فتم إلغاء سباق “باريس دكار” الدولي الذي كان يعبر موريتانيا من شمالها إلى جنوبها بسبب مقتل عدد من السياح الفرنسيين قبيل انطلاقة دورة 2008. فنقل السباق من أوروبا وأفريقيا إلى أميركا الجنوبية.

مقدرات ضائعة..

رغم الإمكانات المهمة التي تتوفر عليها البلاد، ورغم ما تزخر به موريتانيا من مقدرات سياحية كبيرة ومتنوعة، فإن  الاستثمارات الرسمية منها و الخصوصية، في مجال السياحة ما تزال دون المستوى.

فموريتانيا تمتلك ساحلا بحريا يمتد على مسافة 750 كيلومتراً ، يمتد من مدينة نجاكو جنوباً إلى مدينة نواذيبو العاصمة الاقتصادية شمالاً، مروراً بالعاصمة نواكشوط.

كما تقع البلاد على تقاطع مائي خلاب حيث يلتقي نهر السنغال مع المحيط الأطلسي في مدينة انجاكو، وفضلا عن هذا يمتد النهر بروافده وتعرجاته على مسافة 550 كلم في الأراضي الموريتانية.

ورغم وجود هذا الساحل البحري الطويل والمتميز بجاذبية مناظره الطبيعية ومناخه المعتدل ، فلا وجود لأي منشآت سياحية، كالفنادق والمقاهي والمطاعم والشقق وفرق السلامة والإنقاذ، وغيرها من الاستثمارات المعروفة  في دول العالم ذات الشواطئ البحرية والضفاف النهرية.

بل المفارقة أنه رغم امتلاك البلد كل هذه المقدرات  فلا يوجد كورنيش لا على طول البحر ولا بمحاذات النهر.

 أما بقية ولايات موريتانيا، فتعج بالمناظر السياحية الطبيعة من تضاريس وخلجان وغيرها ، لكنها تعاني الإهمال وعدم الاكتراث.

ينضاف إلى هذا عدم وجود المصادر البشرية المدربة والمكونة في مجال السياحة، والأمر في هذا الصدد متروك للمبادرات الخاصة.

فلا وجود لمعاهد لتكوين المرشدين السياحيين ولا مدارس للفندقة.. وغيرها مما يخدم القطاع ويجلب المستثمرين.

مفارقة..

ورغم عدم الاستثمارات المناسبة والإهمال، فإن الحكومة تعول على السياحة كرافد من روافد التنمية.

فقد أعلن الوزير الأول المهندس اسماعيل ولد بده ولد الشيخ سديا، في تقديمه لبيان السياسة العامة للحكومة أمام الجمعية الوطنية،  أن السياحة البيئية محرك أساسي للتنمية المستدامة ، وأن الجهود  انصبت على إعداد متطلبات استنهاض القطاع وإخراجه من حالة الجمود التي عانى منها سنوات طويلة.
وأضاف الوزير الأول أنه لهذا الغرض، تم إطلاق الموسم السياحي 2019-2020 بمدينة أطار، بحضور شركاء أجانب مهتمين بالتعاون الثنائي في هذا القطاع.

لكن السياسة الجديدة ، لم تتضمن إنشاء بنى تحتية ولا منشآت ترفيهية في المناطق السياحية،كما لم تتضمن اكتتاب مرشدين مؤهلين يتكلمون اللغات الدولية، فإذا انضاف هذا إلى ماسبق من عوائق نرى أن قطاع السياحة مازالت بحاجة إلى الكثير من العمل الجاد.