إلى أين يتجه النظام ” احد معتقلي انتفاضة 84 يروي تفاصيل منها ..”

جمعة, 17/04/2020 - 08:03

الحلقة 1، من شهادة خصني بها مشكورا القيادي الناصري وأحد معتقلي انتفاضة 84 الاستاذ عبدو ولد منصور.

لم تكن انتفاضة 84 المجيدة هبة عشوائية بل كانت حركة منظمة ومنسقة تم التخطيط لها مسبقا، وقد بدأت إرهاصاتها باكرا منذ شهر سبتمبر سنة 1983، بعدما خلص “التنظيم الوحدوي الناصري” الى ان الامور لم يعد السكوت عليها ممكنا، فقد ارتفعت الأسعار وازدادت صعوبة المعيشة وتردى الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي وحتى الصحي بفعل انتشار عدة اوبئة كالكوليرا، وتخلت الدولة عن مسؤولياتها في قطاعي الصحة والتعليم، وتغوّلَ تحالف العسكريين والرأسماليين..بالاضافة لغطرسة النظام وقبضته الامنية الحديدية..
وقد كان أول بيان يمكن أن يوصف بأنه الافتتاحية الرسمية لهذه الانتفاضة الاحتجاجية، كان البيان الذي صدر في 15 يناير سنة 1984 والذي حمل عنوان “الى أن يتجه النظام” والذين قدم فيه الناصريون تشخيصا عاما للأوضاع الصعبة والظروف المزرية التي يعيشها البلد على مختلف الاصعدة، وقد تم توزيع ذلك البيان على نطاق واسع…
وصل اوج الانتفاضة في شهري مارس وابريل وبدأت بتحركات ومظاهرات طلابية ونقابية عمالية واسعة الانتشار، صاحبتها كتابات متزامنة على الجدران في كافة الولايات ومناطق الوطن تقريبا..
شخصيا تم اعتقالي يوم 8 مارس حوالي الساعة الثالثة ليلا، وكان معي في بيتنا “عيدلها ولد النح”،.والحقيقة ان ماحصل معنا يومها كان اشبه بالاختطاف، كنا يومها طلابا ندرس في الثانوية العربية وقد فوجئنا ونحن في منزلنا بمقاطعة “تيارت”، بسيارات من الشرطة تقتحم علينا بيوتنا بكثير من الغطرسة والهمجية، وتخرجنا بطريقة مهينة أمام الامهات والاهالي..وقد كنا اول مجموعة يتم اعتقالها آنذاك في تلك الانتفاضة…
تحركت بنا سيارات الشرطة تخترق هدوء ليل العاصمة البهيم البهيم وظلامه الدامس، ونحن لاندري الى اين يأخذوننا..قبل ان نصل الى مدرسة الشرطة التي كانت موجودة حينها خارج العاصمة..تم رمينا في شبه زنزانة مظلمة طولها 1 متر وعرض لايتجاوز نصف المتر الا بقليل.. أخذونا بأيدينا ورمونا بكثير من العنف والهمجية..واتذكر ان اول شيء لمسته بيدي في تلك الزنزانة ووسط ذلك الظلام الحالك ، كان إطارا او قضيبا حديديا تبين لنا فيما بعد انه موضوع فوق مرحاض أكرمكم الله، وذلك بعدما أطل بصيص من النور من اعالي فتحة في السقف…
من هنا بدأت قصة المعاناة والاهانة المتواصلة و المتمثلة في التعذيب والضرب والمنع من النوع لمدة 24 ساعة متواصلة…
يتواصل…

القيادي الناصري الاستاذ “عبدو ولد منصور” يواصل سرد شهادته عن انتفاضة 84 المجيدة:
-الحلقة الثانية:
بدأت اجهزة الأمن في تدشين حملات اعتقال واسعة ضد الشباب الناصري في مقاطعة تيارت، وكان أول من التحق بنا في مدرسة الشرطة المختار ولد امبيريك، ومحمد سالم ولد بمب .. وبدأت الاعتقالات تتوسع في صفوف الطلاب والنقابيين والموظفين في العاصمة وكافة مدن الداخل…وقد لعبت النساء دورا بارزا في ذلك الحراك حيث تعرضن للاعتقال والاقامة الجبرية …
شملت الاعتقالات كامل افراد اتحاد الطلبة الموريتانيين تقريبا كما طالت قيادة اتحاد العمال الموريتانيين كذلك، و عدد من ضباط الشرطة..واتذكر من الاسماء والقيادات البارزة في هذه الهيئات: الكوري ولد احميتي و حمود ولد عبدي ويحي ولد كبد والمفوض ادومو وعبد القادر ولد احمد.. وغيرهم….وقد امتدت يد النظام لتصل كل المتعاطفين او من لهم علاقات شخصية بأفراد التيار الناصري ومعتقليه، فتم القاء القبض على الوزير الاسبق الداه ولد عبد الجليل الذي نجله ونقدره ونثمن صحبته ومعاشرته الطيبة لنا، رغم انه كان خارج التيار وكذلك المفكر الراحل احمد باب ولد احمد مسكه رحمه الله…..
بعد الاعتقالات مباشرة بدأ الاهالي رحلة البحث عن ذويهم المختطفين لكن بدون جدوى، بعد التردد الدائم على مفوضيات ومراكز الشرطة، وبدأت رحلة الاهالي المستمرة مع المعاناة..
ورغم كل ماحدث من قمع واعتقالات للنشطاء والقادة بقيت الانتفاضة مستمرة، وتواصلت المظاهرات والمسيرات في كافة المدن وعجز النظام عن ايقافها، وهذا مايؤكد صحة ماتطرقنا إليه في البداية، من أن الحراك لم يكن عشوائيا بل كان منظما ومنسقا..فبعد تسرب نبأ استشهاد القيادي المناضل المهندس سيدي محمد ولد لبات رحمه الله-والذي سأتطرق له لاحقا في احدى الحلقات- ، خرجت مسيرة مشهورة جابت شوارع انواكشوط، وتعرض الكثير من المشاركين فيها لسلسلة اعتقالات واسعة.. كما أن الآلة الاعلامية للتنظيم بقيت قوية وحاضرة للرد على أكاذيب و تلفيقات النظام، فقد تم إصدار بيان شهير تحت عنوان “كذب الطغاة” يرد على دعاوي الطغمة العسكرية الحاكمة آنذاك، والتي حاولت تشويه الحراك الشعبي الجماهيري الاجتماعي، وربطه بالخارج.. وهي كذبة ممجوجة وفرية كبيرة، ثبت زيفها بعد ذلك بعد ان اتضحت الحقائق…
لقد استخدم الجلادون ابشع انواع التعذيب ضدنا وضد المعتقلين ومن ابرزها: – “الجاكوار” : حيث يتم ربط الانسان بارجله ويديه ويتم الابقاء على رأسه معلقا نحو الاسفل حتى يتدلى الدم الى رأسه وهي طريقة مؤلمة جدا وتؤدي الى فقدان الوعي…بالاضافة الى الاعتماد على “كرسي” مشهور يقوم بالتدوير، تم استيراده من إحدى الدول الشقيقة، وقد استخدم ضد بعض المعتقلين فقط ولم يستخدم مع الكل، ومن ابرز من تعرض للتعذيب بهذا الكرسي:المناضل والاعلامي محمد الامين ولد ناجم رحمه الله…بالاضافة الى الضرب على الاعضاء الحساسة-أكرمكم الله- والتعذيب النفسي والتعرض للاهانات اللفظية المستمرة…
يتواصل…

من صفحة المدون
أحمد حمنيه