قطاع التعلیم: ملاحظات میدانیة على عملیة التدقیق الحالیة / عثمان جدو

سبت, 08/02/2020 - 21:54

لا شك أن الإحصاء والتثبت والتدقیق من الإجراءات الاستباقیة الضروریة للولوج إلى تنفیذ البرامج الجادة المؤسسة على
تخطیط محكم؛ سیتَّكِئُ لا محالة على النتائج المجمعة عن طریق ذلك الإحصاء أو تلك النتائج الموثقة خلال عملیة التدقیق؛
ولا شك أن عملیة التدقیق التي شرع فیھا المكتب الدولي المتخصص الذي عُھد إلیھ بھا توكیلا من وزارتي التعلیم
الأساسي وإصلاح قطاع التھذیب ووزارة التعلیم الثانوي والتكوین التقني والمھني؛ لھا أھمیتھا الخاصة للدخول في
المرحلة القادمة والحاسمة للمنظومة التربویة بشكل عام والتي ستتحدد ملامحھا أكثر بعد فصل الوزارتین بشكل نھائي،
وھو الإجراء الذي ینتظره الجمیع كبدایة فعلیة للوقوف على ترجمة حقیقیة لمضامین تعھدات رئیس الجمھوریة لمواطنیھ
إبان الحملة الانتخابیة وما تلاھا من إرھاصات سیاسیة أفرزت الحكومة الحالیة.
إن المتتبع لسیر عملیة التدقیق الحالیة لن یعدم الوقوف على؛ أو تبني الملاحظات التالیة:
- مع أھمیة ھذا التدقیق وما سبقھ من استعداد وانتظار تولد لحظة إذاعة أولى أخباره في الأوساط التربویة؛ فإن
الإجراءات الأولیة لا تعكس مستوى الجدیة لدى الوزارتین ولا تعكس حقیقة عزم رئیس الجمھوریة على إصلاح
التعلیم وانتشالھ من القاع، ولا تطمئن عمال القطاع، ولا تُثلج صدور المواطنین المتتبعین بشغف لمشاكل التعلیم.
- یلاحظ في كثیر من المناطق المَزُورة في عدد من الولایات أن الاكتفاء بتقدیم بطاقة التعریف دون التدقیق اللازم
في صورة صاحبھا كان ھو سید الموقف والخط العریض في المشھد، ومعروف أن ھذا الإجراء یَسھُل معھ
أغلب عمال الإدارات. تمثیل غائب بحاضر لا علاقة لھ بالمعلومات التي یقدمھا، ویتأكد ذلك إذا كان الوقت لیلا وھو الذي وافق إحصاء
- الاكتفاء بتسجیل المعلومات التي یقدمھا أصحابھا شفویا دون تقدیم وثائق أصلیة أو نسخ منھا للوقوف توثیقیا
علیھا، وثبت في الماضي أن ھذا التراخي یصاحبھ نفخ للمعطیات الشخصیة؛ وإن كانت استمارة التدقیق الحالي
لا تخدم ذلك في بعض البیانات المفتوحة، لكنھا تسھل الادعاءات في مجالات عدة؛
- فمثلا یمكن لشخص ما ذكر شھادات غیر موجودة ما دام النظر في الوثائق الرسمیة غائب وتبني المعلومات
شفویا ھو محور التعاطي في العملیة، ومعلوم أنھ في الفترات الماضیة أحدثت أزمة الشھادات المُزَوَّرة مشكلا
كبیرا، وھي التي تبوأ بھا كثیرون مناصب عالیة، بحیازتھا إیھاما وتزویرا، وحازوا بذلك السبق على حساب من
كانت لھم الخبرة الجیدة والأداء الممیز في مختلف القطاعات!!، (وما في ذلك تعرفھ *كمبا*).
- یمكن كذلك في مجال البنیة التربویة مغالطة ھذه اللجان بأعداد التلامیذ؛ فالاستمارة الموجھة للمدرسین داخل
الفصول تستھدف إضافة إلى المعلومات الشخصیة والوظیفیة أعداد التلامیذ ونوعیتھم، وھي المعطیات التي
ظلت عقودا من الزمن مسرحا للزیادة والمضاعفة لسببین رئیسین:
- أولھما: زیادة عدد التلامیذ لكي تُزاد كمیة الكفالة الموجھة لمدرسة ما.
- ثانیھما: زیادة التلامیذ أو مضاعفة أعدادھم للحفاظ على بقاء مدرسة معینة مفتوحة لاعتبارات سیاسیة تنمو كثیرا
في الأوساط النائیة.. إذ بدون الوقوف على التلامیذ داخل القسم ومباشرة عدِّھم من طرف لجنة التدقیق تبقى
ھاتان الحالتان موجودتان وبقوة في المناطق المشار إلیھا سلفا والتي تعد بیئة مناسبة وحاضنة دافئة لتنامي ھذه
الظاھرة ذات الرجع السلبي على المنظومة التربویة، وتكثر ھذه الظاھرة في ولایاتنا الشرقیة وفي الضفة وفي
مناطق من ولایات الوسط.
- نقص الوسائل: لوحظ أن فرقا متعددة من ھذه اللجان إن لم تكن ھي الأكثر لم یعھد إلیھا بسیارات تناسب حجم
المھمة بل تنقل أكثر أفرادھا من منطقة إلى أخرى في وسائل نقل عمومي بدائیة وعلى الأقدام في بعض
الأماكن، ومعلوم أن لذلك تبعات منھا؛ مسابقة الزمن في ظل غیاب الوسائل، الأمر الذي سیدفع بالتعجل ومحاولة
تجمیع الأشخاص في أماكن محددة لإحصائھم، ولذلك ما لھ من عدم الوقوف على الحقائق بعینھا والاكتفاء بما
یقدمھ الشخص شفویا.. إذن كان بالإمكان الاكتفاء بالمعلومات الموجودة عند الإدارات الجھویة لأن الحال لم
یتغیر كثیرا!، فالذي یوثق شفویا في ھذه اللحظة من طرف ھذه الفرق وُثِق سلفا كتابیا عند ھذه الإدارات؛ ولم
یبق إلا رصد التغیبات بدقة ومسؤولیة.
كذلك یلاحظ أن عملیة التدقیق ھذه لا تمنح دلیلا مادیا یتمسك بھ من تم إحصاؤھم؛ فلا أوصال تسلم لھم ولا
صور تؤخذ لھم لحظة إحصائھم ولا بصمات تبقى على استمارات الإحصاء لتؤكد أنھم ھم.. وسبق أن استخدمت
ھذه الوسائل كلھا في عملیات الإحصاء والتدقیق السابقة وكانت نتائجھا جیدة جدا.
بقي في الأخیر أن نشیر إلى أن قطاع التعلیم أفسدتھ سیاسات معینة وضعھا أو واكبھا أشخاص محددون وھم من
یُلقى باللائمة علیھم قبل غیرھم في فشل التعلیم وإفشال برامجھ لعجزھم أدائیا أو لضیق أفقھم فكریا، وما زال
أغلبھم یراوح مكانھ بنفس الأسلوب والنھج، والغریب أن یكون التعویل علیھم مستقبلا في إصلاح التعلیم أو
انتشالھ من واقعھ المزري!!، فھل ھناك من أفسد التعلیم غیرھم؟ أو على الأقل واكب ذلك دون تأثیر أو تغییر
إیجابي؟، وھل یمكن للمدرسین المیدانیین إحداث نھضة حقیقیة في أطراف الحقل التربوي مع مرض الصدر
واختلال في مركز القیادة والتوجیھ؟ وھل یمكن للمفسد أن یكون مصلحا بنفس العقلیة والأدوات؟.