
بنشاب : في غياهب المجتمع، ترى الوجوه مرآيا تتكسّر على أهداب الزيف، وتسمع الأصوات طبولًا جوفاء تُقرع في ساحات الفراغ. قلوب أرهقها التظاهر، وألسنة اعتادت زخرف القول حتى غدا الحق في مأمن لا يُدرك، والباطل في موكب يُزفّ له. ترى الناس قد غدوا أسرى لأغلالٍ نسجوها بأناملهم، يبيعون يقينهم في سوق المظاهر بثمن بخس، ويشترون سرابًا يلمع في صحراء القيم.
إنّك لتشهد في حاضرهم صورة متشظية من يرفع راية الفضيلة بلسانه ويطعنها بسلوكه، ومن يلهث خلف البهرج كأنما الخلود في قبضته، وهو في غفلة عن حتفٍ يتربص عند أعتاب العمر. إنهم يسيرون في مواكب صاخبة، لكنّ كلٍّ منهم وحيد، يبحث عن ذاته بين أنقاض ما تبقى من الصدق.
والمجتمع اليوم كمرآة مشروخة: تُريك ملامحًا مضطربة، نصفها من الحقيقة ونصفها من الوهم. من غاص في بحره بلا بوصلة ابتلعه تيار التيه، ومن تشبّث بجذور الحق نجا وإن كان وحيدًا، فالحق وإن غُمِر بالظلام، لا يلبث أن يشرق كالفجر حين يُمزّق الأفق.
