
بنشاب : نحن ننزف من حيث لا نشعر… لا من طعنة خنجر، ولا من رصاصة عدو، بل من جرح أعمق يختبئ في أرواحنا: جرح الكراهية والعنصرية، جرح الكلمات التي نتقاذفها خِلسة فتترك في القلب ندوبًا لا تندمل.
الكراهية حين تنبت في النفوس، تتحول إلى غشاوة تُعمي البصيرة، وتجعلنا نرى في الآخر عدوًا، بدل أن نراه مرآةً تكملنا. نُشيد لأنفسنا عروشًا من الوهم، نمجّد ما ليس فينا، ونزهو بما لا نملك، فنبدو كبارًا في أعيننا، صغارًا في أعين الحقيقة.
العنصرية ليست سوى مرض، لكنها ليست في الجسد، بل في الروح التي عجزت عن احتضان الاختلاف، واكتفت بالانغلاق على أوهام التفوق. وما أقسى أن يُصاب القلب بداء التعالي، فيستسهل إهانة الآخرين ليغطي على هشاشته الداخلية.
إن أخطر ما في خطاب الكراهية أنه ينزفنا بصمت. يُمزّق أوصال المجتمع بلا صوت، يزرع الشقاق بين الإخوة والجيران، ويترك مساحات من الريبة والخوف حيث كان يجب أن تنمو بذور المودة والثقة. وما بين كلمة جارحة ونظرة متعالية، تتسع الفجوة حتى نصبح غرباء في أوطاننا.
نحن ننزف حين نعلّم أبناءنا أن المختلف خطر، فنورّثهم جرحًا لا يستحقونه. ننزف حين نصمت أمام الظلم، أو نضحك على نكتة تُهين إنسانًا بسبب لونه أو أصله أو لهجته. ننزف حين نظن أننا أفضل من غيرنا، لمجرد أننا وُلدنا في مكان معين أو ننتمي إلى جماعة بعينها.
لكن بإمكاننا أن نوقف هذا النزيف. يكفي أن نراجع أنفسنا بصدق، أن نطهّر كلماتنا من سموم التحقير، وأن نستبدل خطاب العداوة بلغة الرحمة. فالعالم يتسع للجميع، والوطن لا ينهض إلا بجميع أبنائه، ولا شرف لإنسان إلا بإنسانيته.
فلنرفع الصوت عاليًا: لا للكراهية، لا للعنصرية، لا لتمجيد الأوهام. نعم للمحبة، نعم للكرامة، نعم لإنسان يرى في أخيه مرآة لا خصمًا، وفي اختلافه جمالًا لا نقمة.
فقط حينها، سنكف عن النزيف… ونشعر أننا أحياء بحق.