
بنشاب : في كل بقعة من أرض هذا الوطن صوت بكاء مكتوم، ودمعة متوارية، وآهات لا تجد من يصغي لها.
وفي المقابل، هناك قلة تعيش في أبراجها العاجية، تستأثر بالثروة، وتحتكر القرار، وتتصرف كأن البلاد إرث خاص تتقاسمه العائلات النافذة، وتتوارثه جيلاً بعد جيل.
إنه واقع مرير لوطن تنهبه أقلية وتبكيه أغلبية، حيث تغيب العدالة، ويُهان الإنسان، وتُقتل الأحلام في مهدها.
نهب منظّم لا يعرف الخجل
الفساد في موريتانيا لم يعد استثناءً، بل أصبح قاعدة تحكم المشهد السياسي والاقتصادي.
الثروات تُمنح بقرارات فوقية، العقود تُبرم في الظلام، والوظائف تُوزع على أساس القرابة والولاء.
وفي حين تتمتع أقلية محدودة بالنفوذ والامتيازات، يواجه معظم المواطنين واقعًا قاسيًا:
غلاء معيشة خانق
تعليم يتسم بضعف الأداء
خدمات صحية متردية.
وبطالة متفشية تخنق الشباب
تُنهب خيرات البلاد بينما يُترك الشعب على قارعة الانتظار، يلاحق السراب، ويُخدّر بوعود موسمية لا تأتي أبدًا.
الدولة تُدار كضيعة خاصة
الانتماء السياسي، والارتباط القبلي، والولاء للأشخاص لا للوطن، كلها أصبحت شروطًا غير مكتوبة للحصول على الحقوق.
تُدار مؤسسات الدولة بعقلية الترضيات والمحسوبية، لا بالكفاءة ولا بمبدأ المواطنة.
وهكذا، تم تفريغ الدولة من مضمونها، وتم خصخصة النفوذ وتحويله إلى أداة لتكريس الاستبداد الناعم.
إنها دولة تخدم من بيدهم السلطة والثروة، لا من يستحقون العدالة والفرص.
الأغلبية تبكي بصمت
في القرى البعيدة، والأحياء المهمشة، والأسواق المكتظة، يعيش الملايين من الموريتانيين حياة لا تليق بالبشر.
أمهات يلدن في ظروف بدائية
أطفال يتسربون من المدارس بسبب الفقر
شباب حائرون بين الهجرة والضياع
موظفون بلا كرامة ولا أمل في الترقية
مرضى يُعاملون كأرقام في طوابير الموت
هذه الأغلبية، التي تدفع ثمن صمتها وقلة حيلتها، لا تطلب المستحيل. تطلب فقط دولة تحميها، وخبزًا بكرامة، وعدلاً لا يُفرّق بين ابن الوزير وابن الفقير.
البعد الإنساني للنهب
النهب لا يسرق فقط الأموال، بل يسرق العمر، ويقتل الأمل، ويشوه علاقة المواطن بوطنه.
حين يرى الناس أن النفاق مكافَأ، والنزاهة مُهمشة، والكذب يُرفع، والصدق يُسحق، تنهار المنظومة الأخلاقية، وتُولد أجيال بلا ثقة ولا انتماء.
لقد نجحت الأقلية النافذة في احتكار الثروة، لكنها فشلت في إسكات الوجع الجماعي.
ما يجري ليس أزمة مالية أو سياسية فقط، بل مأساة إنسانية يومية.
وطن تنهبه أقلية وتبكيه أغلبية هو وطن مهدد في استقراره، ومستقبل أطفاله، وكرامة أبنائه.
ولا سبيل للخلاص إلا حين ينهض الصامتون، ويعلو صوت الذين يدفعون الثمن، ويُعاد بناء الدولة على أساس العدالة والمساواة لا على منطق الغنيمة.
فهل يأتي زمن تُجفف فيه دموع الأغلبية، وتُقطع فيه أيادي النهب، ويُستعاد الوطن لكل أبنائه؟