"جلالُ الصمت حين يتكلّم الوطنُ بهيبتِه" ابراهيم عبد الله

خميس, 10/07/2025 - 16:08

بنشاب : في زمنٍ تتكاثر فيه الوجوه وتغيبُ الهيبة، وتهرولُ الأقلام خلف الزيف وتغفل عن الحق، يبقى هو ذلك البدر الذي لا يحجبه غبار الزمن، ولا يطفئ ضوءه تراكم التقولات، كأن القدر قد اصطفاه ليكون صوتًا ناطقًا بوجع الأرض وهمس الشعب، وجدارًا من الكبرياء يحول دون السقوط في وحل التبعية.

لم يكن كغيره ممن تُنسَج حولهم الألقاب وتُفتعل لهم البطولات، بل كان البطولة ذاتها تمشي على قدمين، يحمل الوطن في قسمات وجهه، وتنبض في عروقه ملامح التاريخ، إذا تحدث أنصت الزمن، وإذا صمت تحدّثت الأفعال.

رجلٌ إذا نظرت إليه، رأيت في عينيه ألف راية لم تُنكس، وألف شمسٍ لم تغب، ترفرف في سكونها هيبة الدولة، وتنبض في صمتها عزة الرجال. لا يطأطئ هامته، ولا يعرف التراجع، لأنه آمن بأن الوطن لا يُحمى بالأمنيات، بل يُصان بالعزم والعرق والوقوف في وجه العاصفة متبسّمًا.

لم يكن صدى قرار، بل كان مصدر القرار. لم يكن ظلّ منصب، بل كان ظلّه يُعلي من شأن الكرسي. إن مدّ يده إلى البناء، رأيت العمران ينهض من تحتها، وإن رفع صوته للحق، ارتجفت الألسنة من حوله، وإن سار في درب، تبعته الأقدام رغبة لا رهبة، حبًّا لا تكليفًا.

أيها العابرون في صفحات الوطن، تمهّلوا لحظة عند اسمه، لا لأننا نُشيد بشخصٍ غاب، بل لأننا نقرأ سطرًا من تاريخ الحضور، حضورٍ لا يُقاس بطول المقام، بل بثقل الموقف، ولا يُحصى بعدد الكلمات، بل بصدق الصمت وبلاغة الهيبة.

هو سطرٌ من ذهب في دفتر الأمة، لا يمحوه التجاهل، ولا تطفئ بريقه محاولات التشويه، لأن البذرة الطيبة، وإن طال بها الزمن، تنبت عزًا وتمتد مجدًا.

فسلامٌ على العظماء، وسلامٌ على من إذا غاب، بقي الوطن يُردد صوته، لا بلسانه، بل بنبض الشرفاء.