الحوار الوطني في موريتانيا . مسؤولية و جدية كما يدعوا الرئيس بيرام أم تكرار للماضي من خلال توصيات الحكم ؟

ثلاثاء, 18/03/2025 - 22:52

الحوار الوطني هو فرصة تاريخية لأي بلد يسعى إلى تجاوز الأزمات السياسية ، الاقتصادية ، و الاجتماعية ، لكنه لا يكون مجديا إلا إذا توفرت فيه شروط الجدية ، و الشمولية ، و الاستماع لكل الأطراف دون إقصاء أو فرض مخرجات مسبقة . الدعوة التي أطلقها النظام الحالي لهذا الحوار تبدو حتى الآن غير مطمئنة ، حيث شابها فرض الرؤى من طرف واحد ، و تعيين منسق دون استشارة المعارضة ، و هو ما يهدد بفقدان الحوار لمصداقيته قبل أن يبدأ فعليا .
الحوار الجاد ضروري للخروج من حالة الاحتقان السياسي 
و الأزمات سياسية متراكمة ، و غياب الثقة بين النظام و المعارضة . 
الحوار الحقيقي يجب أن يكون فرصة لرأب الصدع و ليس مجرد غطاء لتكريس سياسات معينة .
إن التوافق على حلول التحديات الاقتصادية مثل البطالة ، تراجع الخدمات ، و الفساد تتطلب مشاركة الجميع في وضع حلول مستدامة ، و ليس فقط تنفيذ أجندة السلطة الحالية العاجزة .
نرى تراجع في الحريات العامة ، و التضييق على المعارضة ، و هو ما يتطلب التزاما واضحا بإصلاحات حقيقية تناقش في هذا الحوار الذي كما يقول الرئيس بيرام الداه اعبيد (  الحوار الصوري خطير و غير مقبول ) إذا كان الهدف من الحوار عند النظام و مطبليه هو مجرد إضفاء شرعية شكلية على سياسات النظام الفاشل ، دون إشراك جميع الأطراف ، فسيكون عديم الجدوى و يعقد الوضع أكثر . إن فرض الأسماء و الآراء دون توافق مع المعارضة ينسف مبدأ الحوار من أساسه . كما أن تجاهل الملفات الحساسة مثل ملف العبودية ، الحقوق المدنية ، و ملفات العدالة الانتقالية سيجعل الحوار قاصرا و غير مؤثر .
و لكن ما المطلوب لإنجاح الحوار ؟
أولا : إشراك جميع الأطراف الفاعلة ، بما في ذلك المعارضة و المجتمع المدني .
ثانيا : إعداد جدول أعمال واضح يشمل كل القضايا الجوهرية التي تهم المواطنين .
ثالثا : وجود ضمانات لاحترام مخرجات الحوار و تنفيذها على أرض الواقع .
رابعا : إدارة الحوار بشكل توافقي ، و ليس بأسلوب الإملاءات و التعيينات الفوقية .
 - إذا لم يتحقق ذلك ، فسيكون الحوار مجرد محاولة لتكريس الوضع الراهن دون إحداث أي تغيير حقيقي ، و هو ما لن يقبل به الشعب و لا القوى السياسية الجادة  كحزب الرك ، الذي دعا إلى حوار شامل و حقيقي ، كما طالب به الرئيس بيرام الداه اعبيد .
هناك أمثلة ناجحة للحوار الوطني
أولا : الحوار الوطني في جنوب إفريقيا ( 1991- 1994 ) أدى إلى الانتقال السلمي من نظام الفصل العنصري الي النظام الدمقراطي . بعد عقود من التمييز العنصري ، قاد نيلسون مانديلا و فريديريك دي كليرك حوارا وطنيا شاملا شمل جميع الفئات السياسية ، بمن فيهم المعارضة المسلحة و حزب المؤتمر الوطني الإفريقي .
الحوار نجح في تفادي حرب أهلية و تحقيق انتقال سلمي إلى الديمقراطية ، من خلال دستور جديد يضمن المساواة بين جميع المواطنين .
و في تونس ( 2013 - 2014 ) تجاوز أزمة ما بعد الثورة التي وضعت البلاد على هاوية فوضى عارمة بعد سقوط نظام بن علي ، دخلت البلاد في أزمة سياسية حادة بين الإسلاميين و العلمانيين ، مما كاد يؤدي إلى انهيار الدولة . تم إنشاء ٱلية حوار تحت عنوان ( الحوار الوطني التونسي )  بوساطة أربع منظمات مدنية ( الاتحاد العام التونسي للشغل ، هيئة المحامين ، منظمة الأعراف ، و الرابطة التونسية لحقوق الإنسان ) .
الحوار نجح في تجنب حرب أهلية و إقرار دستور ديمقراطي ، مما جعل تونس نموذجا نادرا للانتقال السلمي في العالم العربي .
إذا الحوار يكون أكثر نجاحا عندما يكون بقيادة قوى مدنية محايدة تضمن التوافق و بمشاركة جميع الطيف السياسي و الحقوقي تماما كما يدعوا الرئيس بيرام الداه اعبيد .
كما ان هناك أمثلة لحوارات فاشلة بسبب عدم الجدية ،
في سوريا (2011 - حتى الآن )  
بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية ، دعا النظام السوري إلى حوار وطني ، لكنه لم يكن جادا ، حيث استبعدت المعارضة الحقيقية و استمر القمع العسكري .انهار الحوار و تحولت البلاد إلى ساحة حرب أهلية مدمرة استمرت لأكثر من عقد ، و أدت إلى مقتل مئات الآلاف و نزوح الملايين .
إذا عندما يكون الحوار شكليا ، صوريا لا يلتزم بالجدية ، فإنه يؤدي إلى تفاقم الأزمة بدلا من حلها .
و عليه فٱن الحوار الفارغ الذي لا يترجم إلى إجراءات عملية يفقد ثقة المواطنين و يعمق الأزمات .
 إذا كان الحوار مجرد خطوة شكلية دون نية حقيقية للإصلاح كما يقول الرئيس بيرام الداه اعبيد ، فإنه لن يؤدي إلا إلى تفاقم التوترات السياسية و تراجع الثقة بين الدولة و المواطنين ، لا قدر الله
على النظام أن يتبنى حوارا وطنيا جادا يستمع لجميع الأصوات و كل الطيف السياسي ، كما يطالب الرئيس بيرام الداه اعبيد و كتلته السياسية ، و إلا فإن النظام سيجد نفسه أمام أزمات أكبر يصعب حلها مستقبلا . فهل سيتحول الحوار إلى نقطة تحول إيجابية ، أم سيكون مجرد تمرين سياسي لا طائل منه ؟
موريتانيا تسع الجميع 
موريتانيا في حاجة الي كل ابنائها .

مكي عبد الله عضو و ناشط في منظمة إيرا الحقوقية و عضو في حزب الرك 
أنواذيب بتاربخ : 18/03/2025