رسالة من تحت الطباشير / خالد الفاضل

اثنين, 10/02/2025 - 06:05

بنشاب : إلى الوزيرة المدللة، السيدة وزيرة التربية...

بعد الاحترام، وباقة من الطباشير الملونة...
يسرني أن أطلب يدك للحديث قليلًا.

لقد تتبعتك في تويتر، ووجدت عشك الذي تغردين منه في أعلى الشجرة.
تسلقتُ جذعها مثل نملة صغيرة وتائهة، بحثًا عن انتباهك،
علقتُ على إحدى تغريداتك، أخبرتك عن نواقص مؤسستنا...
لكن يبدو أني لم أكن مرئيًا بالنسبة لكِ.

أنا أستاذ من دفعة شهداء 2013...
وقفتُ أمام السبورة لأول مرة،
في شتاءٍ بارد، كبرودة أصابع التلاميذ في الأرياف،
حين يفركونها طلبًا للدفء، حتى يتمكنوا من إمساك القلم...
وكتابة عنوان الدرس.

أذكر فتاة درستها في أول عام لي...
اليوم، تكاد تتخرج من المعهد العالي للمحاسبة،
وربما، سألتقيها يومًا،
موظفة في أحد البنوك المخملية،
وحين أسحب راتبي، ستكتشف بذهول...
أن راتبها كمبتدئة، يفوق راتبي الذي أحمله منذ خمسة أعوام،
أعوام قضيتها راقصًا بمحاذاة السبورة السوداء،
كصوفيٍّ بلغ ذروة الفناء،
وانفصل عن واقعه.

أربعة من هذه الأعوام...
قضيتها في تامشكط، المدينة المعلقة في سقف السماء،
حيث تركتُ وسادتي الضامرة،
وسريري النحيل،
وتمثالًا من الرمال يشبهني،
لن يكون مرئيًا، إلا إذا مزقت الرياح الكثبان،
وأيقظت خطواتي عليها من جديد.

وعامٌ خامس، كنت في تيشيت،
هناك، حيث شممتُ من قمم الجبال،
رائحة العطور المدسوسة في أمتعة القوافل القديمة،
وكدتُ أن أمسك سقف التاريخ بيدي.

واليوم...
أنا هنا، في مدينة الدرجات (فصالة)،
أجلس على حافة الخريطة،
تتدلى قدماي منها،
وتكاد أحذيتي أن تضيع في صحراء أزواد،
أتأمل ظلال العابرين كل مساء،
مثل رحالة وضع وطنه في حقيبة صغيرة،
وقرر أن لا يستقر...
إلا في قبرٍ صغير،
سيصل إليه، متعبًا،
من كثرة حزم الأمتعة،
وأداء الصلوات في محطات النقل.

لكن... لندخل في صلب الموضوع،
ليس عن راتبي، ولا حياتي،
ولا صلواتي، ولا قصائدي،
ولا ترهاتي...
بل عن التعليم...

سيدتي الوزيرة...
لقد رأيتُ تعميمك منذ زمن،
عن ضرورة تحديد النواقص،
لكن نصف العام رحل،
وأنتِ ما زلتِ تحاولين القفز في مستنقع التعليم،
كأنك تخافين على ثيابك السياسية،
من أن تتلطخ بالوحل.

إليكِ هذا الخبر:
في فصالة، يوم الثلاثاء الماضي،
تجمهر التلاميذ احتجاجًا...
لأن مادة العلوم الطبيعية لم تدرّس،
منذ افتتاح العام الدراسي حتى اليوم،
رغم أن لدينا أقسامًا علمية،
لكن... لا أستاذ.

ومدرستنا؟
سبعة أقسام،
اثنان منها... خارج أسوار المؤسسة،
داخل بيوت طينية تبرع العمدة بإيجارها،
وقسم ثالث، بلا مقر،
يدور بين الفصول، كمتسول يبحث عن مأوى،
ورابع، محشور داخل قاعة ضيقة من مبنى الإدارة،
التي شُيّدت بالمقلوب،
فأدارت ظهرها للفصول،
وكأن المقاول كان في خصومة مع الفن المعماري،
ومع التعليم نفسه.

مؤسسة بلا مختبر،
بلا مكتبة... إلا كشكًا لبيع الكتب،
بلا أساتذة لبعض المواد،
بلا أبواب تفتح على المستقبل...
لكنها تقاوم، ببسالة،
عوامل تعرية قطاع التعليم.

أما المدير؟
فيلعب دور البواب، والمراقب، والمعلّم،
ولو استطاع، لقام بتدريس العلوم والإنجليزية،
التي لم تُدرّس العام الماضي،
ولا الفصل الأول من هذا العام،
حتى تطوع أستاذ ابتدائية بتدريسها،
اقتطع من وقته المضغوط يومًا في الأسبوع،
دون مقابل...
دون حتى كلمة شكر.

سيدتي الوزيرة...
هذه الهدية التي قدمها هذا الأستاذ،
لمستقبل التلاميذ،
أكثر قيمة...
من السيارات الخمس،
التي تسلّمها وزير الخارجية من كوريا الجنوبية،
أمام عدسات الكاميرات.

التعليم الذي ورثتِه،
تحوّل إلى مومياء محنطة،
داخل كومة من الغبار،
همومه تتصاعد كالدخان،
كلما دق الجرس في المدارس العمومية،
وانبعث صوته المبحوح... كصوت المعلم.

من المؤلم...
أن يعود التلاميذ، بدفاتر خالية من بعض المواد،
أن يتكدسوا داخل أقسام طينية،
تتدلى من سقوفها خيوط العناكب،
وتحفر الأمطار دموعها في الجدران.

لقد قتل التعليم مظلومًا،
وتفرق دمه بين السياسة،
والإصلاحات التائهة،
والمناهج الجامدة.

ولو كنتِ حقًا...
تريدين إصلاحه،
لما كنتِ استدعيتِ الحماية المدنية،
عندما شب الحريق في وزارتكِ يوم الأربعاء...
بل كنتِ استدعيتِها،
عندما اشتعل الحريق في المدارس...
في عقول التلاميذ،
في مستقبل الوطن.

هنا فصالة...
والساعة 07:23 صباحًا...
وأقول قولي هذا...
وأستغفر الله لي ولكم.