بنشاب : بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين
مرافعة سوية في "ملف فساد العشرية"!
﴿وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا﴾
صدق الله العظيم.
﴿وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا﴾.
صدق الله العظيم.
قربا مربِط النعامة مني ** شاب رأسي وأنكرتني الليالي
قربا مربِط النعامة مني ** إن بيع الكرام بالشِّـسع غــال
قربا مربِط النعامة مني ** باح سري وزلـــزلوا زلزالي
لم أكن من جناتها علم اللــــ**ـــه وإني لحــرها اليوم صـــال.
1. مدخل:
سيدي الرئيس،
السادةُ أعضاءُ المحكمة الموقرة،
عندما خرج الرئيس محمد ولد عبد العزيز من السلطة طواعية منتصب القامة، مرفوع الرأس؛ مكرسا بذلكم أول تداول سلمي للسلطة وفق مقتضيات الدستور، ظننا أن بلادنا قد وصلت إلى بر الأمان وسارت على الصراط المستقيم! وأن عهد خلفه سيكون مثل عهده الذي أغلقت فيه أبواب السجون في وجه السياسيين والدعاة إلى الله وأصحاب الرأي والصحفيين، وأن المحاكمات السياسية ستظل معطلة لعدم وجود معتقلين ظلما، وأن بطالتنا – معشر المحامين المدافعين عن الحقوق والحريات- التي سادت في عهده، ستمتد عشرة أعوام أخرى!
ولكن هيهات.. إذ يبدو أننا كنا نسبح في حُلْمٍ جميل لا صلة له بالواقع مع الأسف!
وها نحن عدنا...
سيدي الرئيس،
السادةَ أعضاءَ المحكمة الموقرة،
«إن من البيان لسحرا».. "ومنشدٌ جدلا كقائل جدلا"!
"أنا هنا. بعد [عَقد] من قطيعتنا ** ألا تمدين لي بعد الرجوع يـــــدا؟
ألا تقولين.. ما أخبارُها سفنــي؟ ** أنا المسافر في عينيك دون هـدى
حملت من طيبات [الفكر] قافلة ** وجئت أطعم عصفورين قد رقدا:
(العقل والروح)!
وجئت أحمل تاريخي على كتفي ** وحاضرا مرهقَ الأعصاب، مضطهدا
ما ذا أصابك؟ هل وجهي مفاجأة ** وهـل توهمـت أني لــن أعـود غــــدا؟
ما للمرايا.. على جدرانها اختجلت ** لمـا دخلــت؟ وما للطيــب قــد جَمَــدا؟
يا [كعبة الحق] هل غيري يزاحمني؟ ** وهل سرير [الهدى] ما عاد منفردا؟
جريدة الرجل الثاني ومِعْطفــــــه ** وتبغـه لـم يـزل في الصـــحن متقـدا
ما لون عينيك؟ إني لست [أذكره] ** كأننـي قبــلُ لــم أعرفهمـــا أبـــــدا
إني لأبحث في عينيك عن قدري ** وعن وجودي. [وإني أرتجي سندا]"!
(نزار قباني- الرجل الثاني، بتصرف. الأعمال الكاملة، المجلد الأول ص 434)
ها نحن نعود من جديد، ولا فخر، إلى "سوق عكاظ" بارد.. في ثُكْنة بوليسية، ومن وراء قضبان غليظة إضافية نِشاز، ندحرج، كـ"سيزيف" ملفا ضخما: اثني عشر ألف (12000) صفحة، فاق جميع الملفات الكيدية التي عرفها قضاؤنا عبر تاريخ تسخير العدالة في خدمة أحابيل السياسة ومؤامراتها (ملفات البعثيين والناصريين وفلام والحقوقيين والرئيس محمد الأمين اشبيه، والرئيس أحمد ولد داداه والوزير العالم محمذن ولد باباه والرئيس محمد خونه ولد هيداله وصَحْبه - غراب /grap الخ)، ملفا كبيرا وفارغا "كالطبل يكبر وهو خال أجوف" عطلت فيه أحكام الشرع والدستور، وانتهكت الحقوق، وخرقت القوانين، وديست الحريات، وظلم وأهين وعذب نفر من صفوة أبناء هذا الشعب الأبي الطيب العريق! وبظلمهم وإهانتهم وتعذيبهم هُدِّمت أسس الدولة وصلب الحق وظلم الشعب وأهين واحتقر!
ألم يأن لقواعد الدولة أن ترسخ وتشمخ في بلادنا بعد سن الستين، وللحق أن يتبع، ولشرع الله والدستور والقوانين أن تسود وتكون كلمتُها هي العليا، وللحريات أن تصان، وللظلم أن ينجلي، وللقيد أن ينكسر؟
سيدي الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
من تقاليد مهنتنا أن يرافع الأحدث انتماء إليها فالأقدم.. ويتجسد هذا غالبا في أن يرافع الشباب أولا ثم يأتي دور الشيوخ! وينسجم هذا التقليد مع حكمة من حكم العرب الذين يقدمون شيوخهم مطلقا إلا في ثلاث: إذا لقوا خيلا، أو سروا ليلا، أو خاضوا نيلا! ولعمري إن الدفاع لكذلكم. وحري بمن يخوض غماره في مثل هذا الموقف أن ينشد قول امرئ القيس بن حُجر:
فيا رب مكروب كررت وراءه ** وطاعنت عنه الخيل حتى تنفسا.
ويرى بعضهم أن هذا التقليد – رغم نبله- يضر بأداء الشيوخ؛ إذ كثيرا ما لا يترك لهم الشباب من المائدة إلا السؤر (الحيس لؼدح).
لذا لن أطيل كثيرا، وقد لا أضيف جديدا، وسوف أكون في منتهى اللباقة والمرونة والصدق، احتراما لمحكمتكم الموقرة خصوصا، وللقضاء عموما، وللجمهور القليل الذي استطاع تجاوز عقبات صراط ولوج هذه القاعة.. ولكني أيضا سأقول الحق، كل الحق، ولا شيء غير الحق، فقد تقلص دورنا – نحن المحامين- في عدالة اليوم لنصبح مجرد شهود حسب تعريف إبداعي لزميلنا المبدع الظريف الأستاذ الزعيم ولد همد فال.
وستكون مرافعتي - إن شاء الله - موزعة إلى محاور أساسية هي:
- انعدام وبطلان هذه المحاكمة بقوة نص دستوري سام ومهيمن على جميع القوانين؛ هو المادة 93.
- انعدام وبطلان هذه المحاكمة بسبب انتهاك معايير المحاكمة العادلة وخرق القانون في معظم إجراءاتها.
- كيدية واختلاق الدعوى.
- العسف والتعذيب والتمييز والاضطهاد والاستهداف ضد الرئيس السابق.
- نقاش التهم والبينات والرد على طلبات النيابة بصيغة الجمع.
- خاتمة في القضاء والعدل، وهو أساس الملك..
- ثم الطلبات.
يتبع بإذن الله