بنشاب : إنما تشهده بلادنا في الآونة الأخيرة من تصاعد غير مسبوق في حمى ما أصبح يعرف بالمبادرات السياسية ، وتكوين التنظيمات والكتل والهيئات الداعمة والموالية والمناصرة ،خروج فاضح على كل النظم والتشريعات والأعراف المتبعة في شبه الديمقراطيات المزعومة، في أكثر بلدان العالم الثالث تخلفا .
إن المتتبع للشأن العام لا يحتاج إلى كثير بحث، أو عناء ولا طول انتظار، حتى تطالعه الساحة الوطنية الحبلى بالمبادرات من هنا أو هناك، بميلاد مبادرة تافهة في الشكل فارغة في المضمون، غريبة في التسمية والهدف المعلن وما خفي من أهدافها أغرب ، أو الإعلان عن تأسيس تنظيم أو كتلة أو هيئة في نفس السياق.
والمؤسف في الأمر أنه وراء كل هذه المظاهر المشينة، جماعات وأفراد توصف بالنخبة سياسيا وثقافيا واجتماعيا.
إن السباق والتنافس في إظهار مبادرات، تحمل تسميات أو عناوين، تكرس وتدعو صراحة للقبلية والعنصرية والطائفية والطبقية والشرائحية ...إلخ،
أمر مرفوض ومقيت، ومجرم بنص القانون، فهل يقبل ظهور مبادرة تحت عنوان : (تجمع قبيلة أهل فلان، أو جماعة أسرة أهل فلان، أو المنحدرون من المنطقة الفلانية، أو شرفاء المنطقة كذا، أو زوايا المنطقة كذا، أو نحن أبناء الشريحة كذا ) وتنظيمات من قبيل : ( داعمون بلا شروط، موالون وللأبد، مناصرون بلا حدود ... إلخ )؟
وهل تستهجن ممن لم يخجل من الظهور وراء لا فتات تحمل عناوين كهذه، أن يستغل حناجر ببغاوات مبحوحة، لتمرير رسائله الخبيثة بشتى مضامينها ؟
فهذا صادح بعبارات الولاء والمناصرة، دون أن يعرف لمن ولماذا ،وذلك معدد لمنجزات لم يعرف منها إلا أسماءها، وهذا صائح بأمجاد القبيلة أو العشيرة أو الطائفة، وهذا مطالب بتوظيف أصحاب مبادرته، وإعطائهم نصيبا من الكعكة الوطنية، يناسب حجم من استغلوا من ضحايا هذا الشعب البريء.
ولا يخلوا المحفل من مشيطن للآخر، واصفا المخالف له في الرأي بالمفسد، والمجرم والكذاب والمنافق، بل وحتى يذهب بعضهم إلى تكفير الآخر، وقد لا ينجو من هفوات لسان، في مقام مدح وإطراء ، يرى مختصون أنها مخرجة من الملة والعياذ بالله، إن لم يكن تكفير الآخر، مخرجا منها لقوله صلى الله عليه وسلم : (... فقد باء بها أحدهما ) .
لقد تفنن هؤلاء، تجار وسماسرة الولاء في استغلال المواطن البريء، المنشغل في كده لتحصيل لقمة عيش، هي هاجسه الوحيد بعد أن سدوا عليه جميع منافذ الوصول إليها.
لقد بلغت الوقاحة بهؤلاء، حد مصادرة رأي المواطن، وتنصيب أنفسهم ممثلين شرعيين له، وناطقين رسميين باسمه، هذا ما يقوم به بعضهم، حين يجلس في انواكشوط، في فندق أو في ساحة مرفق عمومي، أو في منزله ليبدأ أدوار مسرحية، سيئة النص والتمثيل والإخراج، يعلن خلالها أمام الجميع، أنه باسم ساكنة المقاطعة كذا أو الولاية كذا، يعلن دعمهم وولاءهم اللا مشروط، وأنهم مستعدون للقيام بكل ما يطلب منهم خدمة لمصلحته هو لا مصلحتهم.
ألم يكن الأولى بهؤلاء أن يسيروا حملاتهم، ويمرروا خطاباتهم، تحت مظلة أحزابهم التي يعلنون جميعا الانتماء لها، رغم جهل بعضهم بأسماء هذه الأحزاب؟
ألم يكن الأولى بسلطاتنا المحلية، "حامية الدستور والقانون"، أن لا يفلت هؤلاء من المساءلة القانونية، نظرا لما اقترفوه من جرائم في حق هذا الشعب، أبسطها الدعاية العلنية إلى تفرقته .
النهاه ولد أحمدو
هاتف : 46442289