بنشاب : استطرادا و تأكيدا لما تقدم به الأستاذ المحامي العميد محمدو ولد إشدّو، فقد وصلتُ المفوضية التي تم توقيف الفتاتين: شقيقة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، تربه منت عبد العزيز، وكريمته أسماء بنت عبد العزيز، ولم أجد أحدا أمام المفوضية، فهممت بالدخول، وعلى خطوات من الباب الرئيس انطلق نحوي شاب يتكلف من اللباقة والظرافة - على غير عادة ما ألفنا - ما يثير الشك، فلما سألته عن الفتاتين، أقسم أن لا أحد بداخل المفوضية، غير هؤلاء الذين أمامها، وفي الوقت نفسه، أسمع ضجيجا وصخبا في الداخل، قلت له وماهذا الكلام المرتفع الذي يصلنا؟ ... قال لي لعه أفراد من الشرطة يتسامرون ...
غادرت المفوضية متجها لمنزل إحداهما ليتأكد لي الخبر، وكنت وقتها على اتصال ببعض الأفراد الذين يبحثون مثلي، فأكدوا لي أن السيارة المركونة هناك عند المفوضية هي سيارة إحدى البنتين، وعلى كل حال، تم توقيفهما، وممارسة الكثير من الضغوط المعنوية وامادية، وتم إطلاق سراحهما في ساعة متأخرة من الليل، وهذا هو المهم، مع زخمه الإعلامي التافه، الذي استصدره الأمن عن بعض قنواته.
ما أريد التأكيد عليه من هذه الحادثة ملحوظتان:
١- أن أراد الأمن المتصدرين للمشهد، يعمهون في أمور بدائية، لا علاقة لها بالمهنية والانضباط، فلو تم بقصد استدراج بريئتين بدغدغة عواطفهما ابتغاء الرقية أو أي شكل من أشكال الطقوس التي يمارسها المجتمع على قدر عقليته، بما فيها الشرطة الذين ابتدعوها، وعقب تحرير الحكم بعد أربعين يوما من التسويد والشطب والإعادة، ليخرج باهتا وخجولا كما بدأ الملف أصلا، فإن هذا لا يستدعي من أفراد الأمن تصرفا تجاوزه وعي الأمم، ومؤسساتها الأمنية وأجهزتها العسكرية، ونظامها الرئاسي، ولكن الله يرزق العبد على قدر همته وطموحه وتكوينه، فاستدراج بريئتين بدافع الحنان والعواطف، ولو فرضنا جدلا انهماكهما فيه وليس استراجهما بعناصر الأمن وأفراده، فلا ضير فيه ولا تأثير له على ملف الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ولا على براءته، ولا يمكن أن يحجب تهافت الحكم القضائي وهشاشة بناء حيثياته، بناء قانونيا، يحفظ للقضاء وقاره، وللدولة استقلاليتها وهبتها.
٢-أنا شخصيا، تم استراجي أربع مرات، للدخول في هذه المتاهات، اثنتان منهما بسحرة، أحدهما يتمطى بين القصر الرئاسي ووزارة الداخلية ووزارة الدفاع على حد قوله، وأنه على علم بعقدة السحر ومن فعله والوسطاء فيه، وأنه يستطيع فكه في أسبوع، فقلت له إن عقيدتي وقناعتي تفرضان علي أن أربأ بنفسي عن هذه الأباطيل، وإن لم يبق في الحياة إلا هذه الخزعبلات، فالموت أحب إلينا منها، ثم لح علي أن أوصله بالرئيس عزيز أو بأحد أفراد أسرته، فقلت له أنا لا أرفض شيئا وأسعى فيه، أما المحاولة الثانية، فلا أحسبها للأمن، ولا استبعد ذلك، لكن صاحبها مشعوذ يريد النقود كما تبين لي على قدر عقله، أما المحاولة الثالثة، فهو رجل بريء فيما يبدو، أقسم لي أنه قادر على إخراج عزيز من السجن لو أعطي له كذا وكذا، فقد حلم بذلك وحلمه رؤيا من طبعه، فاعتذرت له أن لا دخل لي بهذه الأمور، أما المحاولة الرابعة، فتأتي على مستوى أرقى من هذا كله، وهي استدراج للرشوة، فقلت له على سبيل المزاح والرفض: إذا كانت لغزواني فمستعد وإلا فلا، ولم أزده على ذلك، لعدم أهميته عندي وتجنبا وتحاشيا لأي تسجيل يبنى عليه سيناريو ...
استطردت هذه المحاولات البائسة، لأني على يقين أنهم سيستخدمون منافذ أخرى، وقد أخطأت في عدم الإشعار بها ليتجنبها الآخرون، لكن أربأ بنفسي عن الخوض فيها وأنا أتوجس استدراج غيري فالناس تعمل على قدر عقيدتها ووعيها، وعلى قدر تربيتها وأخلاقها، وهذا واضح فيما آلت إليه أمورنا كلها للأسف.
من ص/ الأستاذ أحمدو شاش