بنشاب : لا تحب المجتمعات الإجابة على الأسئلة المنطقية ، لكنها قد تضطر لإكراه كهذا حين يتعلق الأمر بالدراسة الجادة لأنماط السلوك الجمعي وصراعه الدائب والدائم مع السلوك الفردي .
يرقص الرجل الموريتاني بعد أن يشد تأمين وجهه تحت اللثام ، وكذلك تفعل المرأة حين تقرر إرسال إشارات الكمال إلى جمهور الذكور المحتشدين بحياء خادع على الحدود الفاصلة بين الإلتزام و الإنحراف .
تم شد اللثام قبل هذا العصر الملاحق بالكاميرات والأضواء اي أنه كان نمطا رمزيا قائما وليس تصرفا وقائيا طارئا .
حتى لو كان الراقص أو الراقصة في قرية نائية يعرف أهلها بعضهم كما يعرفون أبناءهم .
لن تلاحق الراقص الملثم أي تهمة حتى لو كان معلوم الإسم والنسب والمكان إلى حد اليقين المطلق .
لكن الريبة ستلاحقه عندما يرقص مكشوف الوجه بملابس عصرية أنيقة .
هناك مجتمع ريبة إذا ..
في مجتمع الريبة عليك ان تضفي لمسة خداع على انحرافك واستقامتك معا .
وعندما تفعل سيظل مجتمع الريبة مهادنا للجمود وبالتالي سيظل ممتنا لك ويمنحك السلام كمكافأة .
بضع ثوان من رقص متقن وأنيق كانت كافية لكشف قانون الريبة الرهيب .
فقد تساءل المجتمع عن لثام الراقص من خلال التعليق الفجائي الصادم على ما يعتبره انتهاكا لقوانين الريبة .
تساءل المجتمع عن اللثام ، لأن اللثام يوهم بالتستر والتخفي حتى لو كان الراقص معروفا ومعلوما ، فمجتمع الريبة يبحث عن بواعث الريبة المخلوعة على شكل السلوك .
فالملثم يمثل دور المتخفي والمجتمع يمثل دور المرتاب ، وبهذا يكون الالتزام إيهاما شكليا بينما يمثل دور الواقعي العميق .
باستثناء الرقصات الفلكورية التقليدية للمجتمعات المزارعة تحديدا ، فإن ما يقوم به الراقص الملثم لا ينتمي لأي تقاليد شعورية ولا ثقافية بالتالي .
تنافر بين الايقاع والحركة ، وفوضى مؤذية بصريا بل ومقززة أحيانا .
لا تشبه الطبيعة ولا الانسان ولا علاقة بينها وبين الروح أو العقل أو الذائقة .
ربما لهذه الأسباب كان الصراخ الذي يعلو ساعة رقص الملثمين تعبيرا رمزيا عن الاستياء .
من الواضح أن الراقص غير الملثم قد تدرب جيدا على الرقص كما يفعل أترابه من الدارسين في مدارس أجنبية تعتبر الموسيقى و الرقص من المقررات الثابتة في مناهج " المدرسة الجمهورية " .
من الواضح أن الرقصة صممت بعد تصميم الإيقاع ، وأن حركة الجسد تصغي جيدا لصوت اللحن .
ربما لم يمض هذا الشاب الكثير من الوقت في مجتمعنا هذا ليدرك أن علاقتنا بالإتقان كعلاقة النتن ياهو بالمصالح العربية .
يا سيدي نحن لا نحب الإتقان ، ولا نرتاح للوجوه المكشوفة ، ولا نتفهم الصدق والشفافية .
لن نهتم لشهاداتك ولا نجاحاتك ولا البيوت المفتوحة بفضل نشاطاتك واستثماراتك ، ولن نهتم لكل فضائلك أو أفضالك .
لم نكن لنهتم لك لو رقصت ملثما ، فلا مشكلة لدينا مع الملثمين ، فنحن نعرف أسماء من يسرقوننا ، ومن يصبغون كل الليالي باللون الأحمر ، ومن يكترون الشقق المفروشة طوال العام وكل الذين يصبغون لحاهم لخداع اليافعات .
نعرف من يبنون مدارسنا ومستشفياتنا وسدودنا بضعف قيمتها ونصف جودتها .
نعرف أسماء كل اللصوص والمدمنين والمدانين وآباء الأطفال المجهولين .
نعرف أسماءهم وعناوينهم ونحفظ سيرهم الذاتية وغير الذاتية .
لكننا لا نهتم لأمرهم لأنهم يلتزمون بقوانين الريبة ولا يخرجون إلا وهم ملثمون .
لقد كان عليك أن تعاملنا كمخدوعين لتأمن شرنا كمخادع .
فنحن يا سيدي نلحق " ثواب "رقص الملثمين الباهت لموتانا ، بل ونلتزم بنذره لأوليائنا ( رقصة ابهاه ) ، لكننا غير مستعدين لتقبل جريمة نكراء كالرقص دون تخف .
عليك أن تسرق منا لحظات سعادتك
وأن تغرب وجهك عن وجوهنا حين تقرر الرقص .
وأن تفكر ألف مرة قبل أن تقوم بأي عمل متقن .
عليك أن تستأذن أعرافنا وتأخذ تأشيرة دخول إلى رغباتنا وأذواقنا وأن تحضر ملفا كاملا وصورا شمسية وسيرة ذاتية ، وتحضر ولي أمرك وكل الضمانات اللازمة ، قبل أن توسوس إليك نفسك ممارسة الرقص بإتقان ودون لثام .
هي فوضى ؟