بنشاب : لم نجد قادما من الآخرة يؤكد لنا صحة "بيع الذنوب"، لكننا تأكدنا منه في الحياة الدنيا، يوم تمت المقايضة السياسية، بين الثلاثة المخلفين من الأعراب ووزير المكائد والدسائس، الذين تبادلوا المتاجرة بالفشل والخيانة، وأشهدوا الله والمواطنين على بيع الوطن ممن لا يملك لمن لا يملك، في مقايضة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الخيانات الحديثة، يتبادلون الوهم الموغل في هدم مقومات الوطن كل من جانبه، متجاوزين عتبة الثوابت الوطنية، لإعلان وثيقة وهمية، يحسبها الظمآن ماء حتى إذا جاءه، وجده سرابا بقيعة، ووجد الوطن عنده أشلاء ممزقة وفق طموحهم وآمالهم، وتاريخهم العبق بالفشل المتراكم والوهن المتجدد، سواء في بناء الوطن، أو في قيادة الجماهير، أو في وجود الذات القادرة على التغيير والواعية لطموح الجماهير والشعور بهمومها وآلامها.
ثلاثة رابعهم وزيرهم، يسترقون وعي الجماهير ويحرقون الأغلبية في المولاة بالأقلية في المعارضة، ليحترق الجميع في أتون طبخة سياسية، تتعمد المغالطة في إعلانها بكلام إنشائي لا يسمن ولا يغني، ولا يكاد يخفي عداوة الشعب فيما أعلنه، وما خفى - والشر ظني به - أدهى وأمر، وسيكون قاصمة ظهر البعير وقت إعلانه!...
الثلاثة الذين أسسوا ثالوث الشر المستطير في وأد طموح الوطن وآماله، يتاجرون في بضاعة لا يملكونها - لا عينا ولا قيمة - وهذا سر مبايعتهم بالذنوب، وعلى غير عادة الأنظمة السوية، فالنظام يحدد المعارضة ويرسم لها خطوط مجالها، والمعارضة، تزكي النظام وتؤازره في تكريس المزيد من الفشل المتراكم، وهدم مقومات الدولة في عالم من المتناقضات، لا يرتها إلا منافق معلوم النفاق، يتحول فيها الماركسي المتطرف إلى إقطاعي حهوي و قبلي، منقلب على الرفاق، و متاجر بوهم جماهيري لا يوجد إلا في مخيلته المتعبة بترهات الألاعيب السياسية بالأهداف الحزبية، كما يتحول الارستقراطي الليبرالي إلى زعيم جهوي وقبلي، لا يمتلك من مقومات الليبرالية في مجتمع فقير إلى حب الغرب ورفع لواء الفرنكفونية، وتغدو ثنائية التناقض الصارخ (ليبرالي، ماركسي) في تناغم منسجم، يطالب بالديمقراطية والتبادل السلمي، وهما منه براء، في سيرتيهما وفي رفاقهما، لا تاريخ لهما بالمنظور البلوريتاري ولا الليبرالي، سوى وقفات عابرة ومنعزلة، وبعيدة من طموح الجماهير، لتعلقها بالوظيفة والانتفاع، فكانت علاقتهما بالجماهير علاقة تجاور لا تفاعل، وتبين ذلك لاحقا في المخزون الانتخابي.
اجتمع الثلاثة ورابعهم وزيرهم، ليعلنوا وثيقة تفاهم ولدت ميتة، في ظاهرها وباطنها، لأن الشعب أصبح لديه الوعي والتجارب ما يميز به الخبيث من الطيب، ولأنها مصادرة لرأي الجماهير وهم يعرفون قدرهم هناك، ورحم الله من عرف قدره و جاء دونه، ثم إن الأوتار الحساسة التي لعب عليها ثالوث الشر، لم تعد بضاعة رابحة للاستعطاف و الاستنجاد، سواء تعلق الأمر بالوحدة الوطنية، التي أصبحت تسير ذاتيا وبشكل انسيابيبعيدا عن معاول هدم وابتزاز المتاجرين، وسواء تعلق الأمر بترسيم اللهجات المحلية، أو ترسيم اللغة الفرنسية، التي انتهت فترة ترسيمها منذ 2019، و صارت ملغاة تلقائيا في 2020 بحكم اتفاقية 1959، و لنا عبرة من الدول الإفريقية التي فهمت أن الفرنسية تعيقها أكثر مما تنفعها، و أنها مجرد ترسيم للاستعمار بثوب جديد (كالجزائر و مالي و بورمينفاسو و الكونغو و النيجر ..).
الثلاثة و رابعهم وزيرهم، أجناس متنافرة من أصلها و فرعها، القاسم المشترك الوحيد بينها، هو بغض و كره الرئيس محمد ولد عبد العزيز، و الاتفاق التام على تحييده سياسيا و الانتقام منه باعتباره عدوا شرسا، ثمة قاسم مشترك آخر، هو الكذب والتلاعب بمشاعر المواطنين والفشل في تحقيق أي انجاز معنوي أو مادي.
هؤلاء الأربعة المخلفون من الأعراب، يختلفون عن الثلاثة الذين قبلت توبتهم، فصحة الأعمال أو كمالها إنما يكون بالنيات، فأربعتنا المخلفون، أخذتهم العزة بالإثم، فتمادوا في غيهم، و استغنوا على حساب الشعب، فبطِروا و فُتِنوا ...
لكن بدت لي لائحة بالأربعة لائحة ناقصة لتأخذ كمالها وبعدها الحقيقي، فلو أضيف لها وزير السجون، وولد الرايس وول أبتي والرئيس غزواني، لاكتملت اللائحة، فصاروا سبعة و ثامنهم رئيسنا، وكانت أكثر تعبيرا عن واجهتنا المتصدرة للمشهد السياسي.
هكذا غدا وطننا تحت رحمة معاول الهدم بين النظام والموالاة والمعارضة الهرمة، كل يهدم من جانبه،هدما مزدوج التأثير: هدم الانجازات الوطنية المكتسبة و الفشل في إضافة و لو بلبِنة في صرح البناء، و هدم الأخلاق و القيم و الشعور بالوطن في وحدته و همومه و آلامه و معاناته، فحسبنا الله و نعم الوكيل.
الأستاذ أحمدو شاش