بنشاب : ما لفت انتباهي بحق ومنذ أربع سنوات، هو تدني مسنوى النخبة التي تتصدر المشهد السياسي، والمنظومة الأمنية التي تتولى التحقيق القضائي في القضايا المطروقة، وسهولة تبديد الأموال العامة في العبثيات المطلقة، ويزداد استغرابي كل ما رأيت استحسان ذلك في بعض الأوساط السياسية والاجتماعية.
هل تذكرون الأرتال العسكرية التي سافرت بقوافلها ومؤوناتها، لهدم سرامك وبلاط منازل في الفلا من فرط ضعف التحقيق وسذاجة مصادره؟
هل تذكرون الشهود الاعتباطيين الذين كانوا يحملون عشرات الكيلوغرامات من الذهب عبر المطارات الدولية؟
هل تتفاجأون بشهود تم استعاؤهم بالخطإ، فيما لا ناقة لهم فيه ولا جمل، واعتذر لهم القاضي على الملإ؟
الأكثر غرابة من هذا كله، أن المحققين والنيابة ولفيف محامي الدفاع المدني، كلهم، يتكلمون مع المسؤولين وكأنهم غير مسؤولين عن قل أو كثر، ولا يحق لهم التفكير في غير أنهم تم تعيينهم هناك وليهنأوا بفيئه وريعه في هدوء وسبات ...
وتزداد الغرابة أكثر، في وهمهم أن الرئيس محمد ولد العزيز يجب يكون رئيسا شكليا، لا دخل له في تسيير الأمور، وليس ملزما بالاطلاع على ما يجري، ولا يحق له أن يعطي الأوامر ولا أن يوجه المسؤولين ويتابع تقدم أعمالهم، بل عليه فقط أن يكون قطعة ديكور من البيت لزينة المنازل، يتحاشى الخروج في الأجواء المشمسة، وينام نهاره ليعيش ليله بأجوائه الرومنسية، هكذا يريدون للرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يكون وما كان كذلك ولن يكون ...
مما كان يعجبني في الرئيس محمد ولد عبد العزيز، حضوره في كل كبيرة وصغيرة ومتابعته للشأن العام بكل تفاصيله الدقيقة، وهذا يظهر في لقاءاته الجماهيرية، واطلاعه على المشاريع قيد التنفيذ، وهذا ما يثير حفيظة المفسدين وأكلة المال العام، حيث لا فرصة لهم غير أداء عملهم ومساءلتهم عنه، ولعنا عشنا ورأينا نتائج ذلك في انجازات العشرية، وعشنا ورأينا خلاف ذلك في فترات أخرى.
هنا ندرك المسؤولية التي ذاب الرئيس محمد ولد عبد العزيز في تحملها والشعور بها والتأثر بها والاستغراق فيها، والتي أراد المحبطون أن يسائلوه عنها ويعتبرونها جريمة يبحثون لها عن علاوات إضافية سالبة من هنا وهناك.
هنا ندرك الفرق بين من يترفع عن الرذائل وسقطات الساقطين، وكلام الفضوليين، ليرفع رأسه عاليا نحو الحقيقة السامية في العلا وروم الشموخ، وكأنه يقول لكل مسيء: أقصر، فكلامك لا أحمله إلى قبري بل سأحمل عملي وقولي ونيتي، أما كلامك فمردود عليك الآن وغدا، تماما كما أعرض أبي بكر الصديق عن الرجل الذي سبه.
إن الكلام لا يصنع الرجال، والإساءات لا تضر الرجال، وإن حجب عيوب المرء لا تجلي صورته الرمادية، فلقد قال الشعراء، والحكمة تجري على ألسنتهم:
لأن الخيل قد قلّت، تحلّت @ حمير الحي بالسرج الأنيق
إذا ظهر الحمار بزي خيل @ تكشّف أمره عند النهيق