لما علمت بالوعكة الصحية التي ألمت بوالدي وأخي وأستاذي المغفور له بإذن الله: يحظيه ولد سيد أحمد، تملكني اكتئاب داخلي لشعوري بأن الرحلة قد انتهت، وأننا أصبحنا في لحظات الوداع، ووداع القامات السامقة ليس كوداع بعضنا البعض!...
قامة قد انتظمت فيها من معالم الفتوة ومجامع المعارف ونبل الأهداف ما لم ينتظم في واحد ممن عرفنا من الرعيل الأول ...
كاتب وأديب من الطراز الرفيع، وعالم وفقيه من جهابذة العلماء الصالحين والفقهاء الزاهدين، وصوفي يذوب في أوراده ويتبتل في خلواته بلا زهو ولا مراء، وقليل من يعرفه على تلك الحال، إلا من كان له حظ من معرفة كنهه وسبر أغوار شخصيته، ممن أتاح لهم فرصة الأخذ من معينه الذي لا ينضب!..
دلوماسي محنك، يفرض وجهة نظره بأدب ولباقة، لا يصمد أمامها عظماء القادة ولا زعماء الأحلاف الدولية، في هدوء الواثقين بأفكارهم والمؤمنين بصدقهم والمخلصين لقضيتهم ودعواهم ...
والرجل فضلا عن هذا كله، يحمل من خصال الأولياء والصالحين ما يلوح عبقا وأريجا على محياه وعلى سمته الوقور، فهو كريم لا حدود لسخائه، متواضع في مهابة وجلال، وقنوع قناعة من لا يريه الله إلا فضل وتمام ما لديه ...
وأنا إذ أعزي فيه، لا أعزي في فراق الجسد فحسب، وإنما أعزي في فراق منظومة من القيم والأخلاق قل أن تجتمع في واحد، أعزي فيه الوطن العربي والإسلامي كله، وأعزي فيه موريتانيا وهي تودع أحد أبنائها البررة، وأعزي الابناء والبنات والعشيرة، وأعزي بالخصوص أخي وصديقي وأستاذي أحمدو بمب ولد سيد أحمد، وأعزي أسرة أهل شاش وحق لها وكل محبيه وأل مودته، متضرعا للمولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأن يلهمنا وذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون