الصدقة والإنفاق، وجهان لعمل خيري لا تحصى فضائله، وقد ورد فيهما من الترغيب في الكتاب والسنة ما يجعلهما من صفات من أوتي حظا عظيما من المولى عز وجل.
فالصدقة تدفع المصائب والكروب، وترفع البلاء والآفات، وهي عمل اجتماعي يبرز مستوى التكافل والتعاضد بين أفراد المجتمع، ويقلص الفارق بين الغني والفقير.
والصدقة نمط من أنماط الإنفاق، وخيرما تكون في شهر رمضان الكريم، فالجمع بين الإنفاق والصيام، سبب من أسباب دخول الجنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها ... قالوا لمن يا رسول الله؟ ... قال:لمن طيب كلامه، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام"
ودوام الصدقة يصادف الأزمنة الفاضلة لا محال، فما بالك لو اجتمع هذا كله في رمضان؟
أسجل هذه الخاطرة وفي ذهني نموذج حي للإنفاق في الأزمنة كلها، إنه الوجيه الفاضل، المرحوم بإذن الله #همدِّ ولد محمود السباعي، الذي خلد ذكره في سجل أعيان مدينة أطار، بأخلاقه الفاضلة ومساعيه الحميدة، وأعماله الخيرية، وقد منَّ الله عليه بالمال الحلال والجاه والقبول.
ومما يؤثر عن المرحوم همدي، حادثتان جليلتان:
الأولى: كان يداوم إطعام الناس في زمن "الهوفه" أي المجاعة إبان الحرب العالمية ابثانية كل مساء، ولأنه يعلم أن من بين المحتاجين أفاضل يتحاشون الظهور أمام العامة، فقد كان يأمر بإطفاء الأنوار والأضواء، حتى يقضي كل حاجته من الأكل.
الثانية: فاخره أحدهم على سبيل المزاح بلباس يوم العيد، وتواعدا المصلى، لكن همدي أخذ ما يربو على أربعين ثوبا جديدا ليوزعها على الجيران ممن لم يتسنى له الحصول على ملبس، فجاء رجال الحي بجديد لباسهم وسمات الفرح بادية عليه، فقال له المنافس: كسبت الرهان يا همدي ...
همدِّي شخصية نادرة، اجتمع فيه من الكرم والسخاء والتواضع والمحبة والجاه ما لم يجتمع في واحد من عصره، ونال بذلك حظوة دنيوية بين العباد، نرجو أن تكون له كذلك في الآخرة.
قال فيه أحد الشعراء:
همدٍّي فالستره معهودْ @ إنَيَّرْ فيها واسَدِّي
أولا خالگْ واحدْ لاهي اعودْ @ فالستره كيفتْ همدِّي
تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنانه