بنشاب : أجرى الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز أمس بمدينة بوردو الفرنسية لقاء بالجالية الموريتانية في فرنسا وجوارها الإقليمي الأوربي، وقد عبر الرئيس السابق قبيل دخوله قاعة اللقاء، في رد على سؤال من موقع ( KD média ) عما إذا كان النقاش الذي سيجريه مع أفراد الجالية سيكون بدون محاذير فرد بأنه سيكون كذلك، فذلك هو المبدأ الذي اعتمده دائما سواء وهو في السلطة أو هو خارجها.
وبطبيعة الحال كان الرجل يتوقع الكثير من الأسئلة وكان مستعدا للإجابة عليها كلها، أو ما تسمح وضعيته القانونية الحالية بالإجابة عليه منها، وكان الجميع أيضا سواء في قاعة اللقاء أو هنا في موريتانيا متعطشون لسماع أسئلة مهمة وإجابات قد تكون مقنعة للبعض كليا أو جزييا، ولن تكون مقنعة للبعض الآخر طبعا كعادته في الحكم المسبق والتشكيك أو التكذيب لكل ما يصدر عن الرئيس السابق مهما قدم من معطيات وأدلة دامغة.. خصوصا أن اللقاء كان مع من يفترض أنها نخبة، وبالفعل كانت هناك نخبة ولكن كانت هناك أيضا فوضى لا يمكننا تفسيرها إلا بما جرى الحديث عنه من حضور افراد خصيصا للتشويش على اللقاء، خاصة أن المنظمين أشعروا الرئيس السابق برصد نوايا وتحركات للقيام بذلك التشويش فطلب منهم السماح للجميع بالدخول والمشاركة في اللقاء، وهو ما اتضح من خلال تسريب واتسابي وربما يتضح المزيد منه في قابل الأيام.
وخصوصا كذلك أن هذا اللقاء ليس هو أول لقاء ينظمه الرجل الذي سبق وأن عقد عشرات المؤتمرات الصحفية واللقاءات الجماهيرية هنا في موريتانيا عندما كان في السلطة، كما التقى عديد المرات بالجاليات في الخارج، ونظم ثلاث مؤتمرات صحفية بعد خروجه من السلطة وكانت كلها تمر بسلام، وتُطرح خلالها جميع أنواع الأسئلة وتتم الإجابة عليها، وكان هو من ينهي تلك اللقاءات بعد أن تتجاوز الوقت المخصص لها والحضور يطالب بتمديد وقتها لطرح المزيد من الأسئلة.
لكن ما حدث خلال هذا اللقاء كان مختلفا تماما، فلم تُتح الفرصة لطرح أسئلة الساعة سواء ما يتعلق منها بملف الرئيس السابق، أو ما يتعلق بالوضعية الراهنة للبلد وآفاقها وذلك بسبب الفوضى والضوضاء التي بدأ بها اللقاء وانتهي بها.
وشخصيا لم أسمع من الأسئلة، خارج تلك التي لم تكن في الحقيقة أسئلة وإنما تظلمات، سوى سؤال الحفارة الذي سمعناه كثيرا في لقاءات ومؤتمرات صحفية سابقة للرجل حتى وهو لا يزال في السلطة، ولا يزال البعض إلى اليوم يطرحه ويستشهد به على " تناقض " الرئيس السابق في ما يتعلق بممتلكاته، حيث يقولون إنه سبق وأن صرح في بداية وصوله للسلطة بأنه لا يمتلك سوى حفارة، وبعد خروجه منها يصرح بأن لديه المال.. كما لا يزال رئيس فريق الدفاع عن الدولة يستشهد بهذه الحفارة، ولا زال الصحفيون يُدبجون بها أسئلتهم إلى درجة أنه جاز لنا اليوم أن نقول ( أطوالت يالحفارة )! كالرجل الذي يقولون إنه طلق زوجته لكثرة ما استدلت بذكر " العيش " بمناسة وبدون مناسبة، الليلة التي تعشينا فيها بالعيش، الليلة التي احترق فيها العيش، الليلة التي نمنا فأكلت الكلاب العيش..!
في حين أن حديث الرئيس السابق عن ملكيته لحفارة قد وضحناه ووضعناه في سياقه مرارا وقلنا إنه لم يكن مرتبطا بحديثه عن ممتلكاته التي يصرح اليوم بأنه يمتلكها، وإنما جاء في سياق رد له على سؤال خلال أحد مؤتمراته الصحفية سنة 2012، حيث كان السؤال يقول: يجري الحديث أنكم تمتلكون آليات وشاحنات وجرافات.. فرد بأنه لا يمتلك من الآليات سوى حفارة واحدة يستخدمها في حفر الآبار في بعض المناطق لبعض التجمعات مجانا، وقلنا أيضا إنه لو كان ذلك السؤال ورد بصيغة أخرى كأن كان يقول: يقال إنكم تمتلكون المال فرد بأنه لا يمتلك يومها من المال مطلقا سوى حفارة لقلنا إنه تناقض عندما قال إنه يمتلك المال اليوم، لكن ذلك ما لم يحدث، وهو ما أكده الرجل في لقاء الأمس ردا على سؤال " الحفارة " القديم الجديد قائلا إنه لم يقل يوما إنه لا يملك سوى حفارة، واضعا حديثه عنها سابقا في سياقه الذي قاله فيه، واصفا سؤال السائل عنها ب " السؤال المهم " لأن الجميع لا حديث له سوى حفارة الرئيس السابق التي لم يكن يملك غيرها في بداية حكمه، وإذا به يصبح ثريا في نهاية حكمه..!
قضية أخرى كثيرة الاستخدام أيضا كمرجع أومقياس لتطور حجم ممتلكات الرئيس السابق ما بين وصوله للسلطة وخروجه منها وهي تصريحه غداة انقلاب 2008 بأنه ورفاقه أعضاء المجلس الأعلى للدولة لا يمتلكون أموالا في الخارج أصلا حتي تجمدها قرارات مجلس الأمن عقابا لهم على تنفيذهم لذلك الإنقلاب.. وفعلا صرح الرجل ذلك التصريح ولكنه كان قبل انتخابه سنة 2009، وقبل خوضه لحملتين رئاسيتين تُبُرِع له خلالهما بمليارات ( أقول مليارات وليس آلاف المليارات..) بالضبط مثل عشرات ومئات الملايين التي مُنحت كتبرعات لصغار المترشحين وكبارهم خلال هاتين الحملتين وقبلهما منذ بداية المسلسل الديمقراطي في البلد والتي ما كانوا ينفقونها كلها في حملاتهم، ولم يتصدقوا بها طبعا، ولم يودعوها في الخزينة العمومية لأنها ليست ضرائب ولا مالا عموميا، ولم يُرجعوها أيضا للمتبرعين بها لأنهم لم يتبرعوا بها أصلا بنية إجراء حسابات مع المترشح لاسترجاع ما تبقى لديه منها، وإنما هي تبرعات كالتبرعات التي يتلقاها المترشحون في كافة أرجاء العالم كإحدي الآليات العرفية والشرعية المرافقة للعملية الديمقراطية والسباق الانتخابي، ويكون النصيب الأكبر منها دائما للمترشح الأوفر حظا..
منع سوء تنظيم اللقاء إذن الجمهور هنا وهناك من تفاصيل ومعطيات كان الرئيس السابق مستعدا لتقديمها فلم تُتح له فرصة ولا أجواء تقديمها، وإن كان جدد وأكد تحديه السابق لكل من يقدم أية أدلة على أي منفذ حصل منه على مال عام، مضيفا هذه المرة معلومة جديدة هي أنه لا يمتلك أوقية واحدة خارج موريتانيا، وأنه الوحيد الذي سينجو إذا ما تقرر قطع الرؤوس بعد تطبيق مبدإ من أين لك هذا.. وعليه فلا زال ذلك التحدي قائما في انتظار من يرفعه، ومنذ بداية إجراءات اتهام الرجل وهو يجول في شوارع نواكشوط، قبل إخضاعه للإقامة الجبرية وبعد رفعها عنه، كما زار مناطق داخل البلاد وهو اليوم في فرنسا ولم نجد موريتانيا واحدا يأخذ بكمه أو بتلابيبه مطالبا بمال عام، ليبقى ما سيرفع ذلك التحدي هو المحاكمة العلنية والعادلة التي يصر على المطالبة بها والاستعداد لها، والتي حتى في حالة إلغائها فلن يتغير شيء، فالرجل ملتزم وقاطع على نفسه عهدا بأن يحاكم نفسه على الأثير والمباشر أمام الجميع، فليحدد من الكرة في مرماه الآن ويحرجه دورانها فيه متى وكيف يخرجها منه..!
محمدو ولد البخاري عابدين
(2).JPG)
