بنشاب : عمل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز على تأمين الموارد الوطنية من خلال استشراف المستقبل وتفعيل رؤية استراتيجية ثاقبة، كان للطاقة منها حظ الأسد، ففي الوقت الذي شعر بزحف التهديد القادم من الجنوب، بادر بالعمل على الرد الرادع و غير المباشر على المطامع الخارجية في مناطق استخراج الثروات الحدودية عبر تشييد ميناء انجاگو في موقع يشكل شوكة حلق تنافسية في المنطقة بإلإضافة إلى تحصين و تجهيز القوات البحرية بالعتاد و السفن و بالتكوينات الأكاديمية والفنية لطواقمها، حتى أصبحت درعا صلبا يحمي أضلع الوطن الملتحفة طرف المحيط.
كان تشييد الميناء استعدادا ودفاعا تحسبا لما قد تحاوله دول الجوار من سحب لبساط الاستثمارات والتسويق من تحت أقدام فرص البلد، وحين وقع الرئيس السابق اتفاقية حقل السلحفاة آحميم للغاز عام 2018، كانت كل المؤشرات تؤكد تضاعف حصة موريتانيا من الغاز عند بدء الاستخراج والإنتاج بحلول 2022، الأمر الذي علقت عليه المعارضة السنغالية معترضة آنذاك، غير أن الأمور جرت كما خطط لها ولم تطرأ أي تغييرات على الإتفاق.
لكن في الوقت الذي قفزت فيه موريتانيا بسرعة البرق قفزة أرنب نحو النهوض و النمو، توقفت و تثاءبت خلال سنوات ثلاث من النوم و التمدد على أسرة الكسل، بينما واصلت السنغال بثبات خطواتها نحو الازدهار و تنفيذ سياساتها الاقتصادية و التنموية…
ذلك الفرق الشاسع بين النظامين كان طوال الوقت تحت عدسة المستثمرين و الممولين، ما جعل المستشار الألماني يحط رحاله مستهلا رحلته الاستثمارية بالسنغال ليوقع معها اتفاقية توفر لهم السنغال بموجبها مليونان وخمسمائة طن مبدئيا بينما ستصل الكمية المصدرة عشرة ملايين طن بحلول 2030.
كل ذلك وموريتانيا صاحبة الحصة الأوفر من الغاز حسب ما تؤكده كل الدراسات و المؤشرات لم تتلق عرضا و لم تدرج حتى على جدول زيارة المستشار الألماني، ذلك أن الزمرة السياسية الحاكمة تستغل شرعية "الرئيس الغائب" لتسيير البلد وموارده المتوفرة _بسطحية وغباء _ حسب ما يخدم مصالحها الشخصية، حتى أن السذاجة التي اغتنمت بها النخبة السياسية فرصة شغور كرسي إرادة الإصلاح عكست قصور رؤيتها و ضيق آفاق تطلعاتها إذ تتسابق لنهب وتبديد الموارد بطريقة تستحيل معها الاستمرارية.
و كم هو مؤسف حقا أن تكون موريتانيا وهي الدولة المعترف لها بامتلاك إمكانيات هائلة ومخزون كبير من الغاز و تتشارك في نفس الوقت مع السنغال في حقل السلحفاة آحميم، تقف اليوم على نوافذ قاعات الاستثمار مقصية مطرودة لا يذكرها مستثمر و لا يزورها مشتر، وذلك بسبب الشلل الاستشرافي و العمى الاقتصادي الذي يعاني منه قادتها الذين لا تتجاوز رؤاهم الاقتصادية والاستراتيجية حدود جيوبهم، وتقتصر يد إعانتهم للشعب على أكياس صدقات تآزر و بطاقات تأمين تتيح العلاج في مستشفيات لا تتوفر على أجهزة فحص تعمل و لا على صيدليات دوائية.