بنشاب: من المعروف أن الرئيس ولد الغزوانى فى ظل ولد عبد العزيز لم يكن ميالا للمعارضة او حتى لإبداء الرأي إلا حين يطلب منه .. فيصوغه وفق مايتصور أنه سيكون رأي ولد عبد العزيز وهذا لايحتاج لبرهان لأنه بذاته برهان على ذاته !
وتشاءالمفارقات أن يكون ولد الغزوانى وحده من أستطاع يحيط علاقته بولد عبد العزيز بهالة نورانية كأنها من ضوء سماوى خالد .. لذا أصبح هو الرابح الوحيد من بين كل الضباط ليكسب ثقته المطلقة !
تأخر ولد عبد العزيز فى قراءة ولد الغزوانى .. ربما لأنه كان مشغولا بتحديث موريتانيا وإدخالها القرن الواحد والعشرين !
وعندما كان ولد الغزوانى فى بداية تعيينه قائدا للأركان العامة وكان وقتذاك مساعده الرجل القوي ولد محمد أزناكى .. حدثت مشكلة بينهما .. وعندما بلغ الامر ولد عبد العزيز وقف الى جانب ولد الغزوانى وقام بفصل الآخر الى التقاعد قبل أن يتراجع ويعينه فى مكان آخر !
و اذا كان البعض يلاحظ بكثير من الانتباه فى فترة ولد عبد العزيز إبعاد ولد الغزوانى شبه التام عن مهام السلطة التنفيذية .. فإن هذا الإبعاد من ناحية وولاؤه من ناحية اخرى .. لم يكن ذلك الا وجهان لعملة واحدة هي أنه فى ظل الرجل الأول يؤثر السلامة مع الحياة الرضية .. وهو المظهر الذى خدع الكثيرين ممن فوجئوا به حين اصبح رجلا أول ..فالحقيقة ان ولد الغزوانى لم يتغير ..بل تغيرت أناقته الخارجية !
كان الاتفاق غير المكتوب بينه وولد عبد العزيز شيء مجهول .. لكنه ربما يكون عدم المشاركة الفعلية فى السلطة ، والمشاركة كلها فى مظاهر القوة .. فتصوره البعض رجلا ضعيفا فأخطأوا الحساب لمرة واحدة .. كانت الاخيرة .. فالرجل الذى ادرك أكثر من غيره معنى الرئاسة لم يغامر مع أية معارضة لدرجة الانقلاب على من أرادوا مشاركته الحكم !
صحيح أن ولد عبد العزيز شخص يحسب كل شيء من العناصر التى تظهر أمامه ويضع امامه مختلف الاحتمالات والترجيحات ويختار دوما لحظة السلب عند الخصوم فيستقر على الكفة الأقوى .. لكنه لم يتعامل مع ولد الغزوانى طوال وقته على انه خصم خفى !
وحين قدم له كرسي الرئاسة مجانا .. ذهب مباشرة فى رحلة تأكد من خلالها أنه يثق بالرجل ثقة مُطلقة .. تلك الرحلة التى ربما من احدى زواياها الخفية استطاع غزوانى أن يكون صانعها!
عاش غزوانى فى سياسته طوال فترة ولد عبد العزيز على مرحلتين لا ثالث لهما ..التمرد الصامت والجمود الخبيث .. أما المرحلة الثالثة والغائبة هي مرحلة الثورة أو المواجهة التى تعنى التغيير الجذرى للقيم الفكرية المتوارثة !
لم ير غزوانى جيدا - بسبب طريقته- من أن حركة التاريخ تبدأ من المستقبل وليس من الماضي، فالمستقبل هو المحرك الأساسي لأي نظام جديد والسؤال المطروح الآن .. ماذا يريد أن يكون ولد الغزوانى ؟ ولكن الملاحظ أن هذا السؤال لا يجد طريقه سالكا .. فالسؤال الذى لا زال يغطى كل الاحداث ماذا كنّا ولماذا نكون على نحو ماكنا عليه ؟ وهذا معناه أنه لا جديد يُذكر .. وهذا الاعتقاد الوهمي الذى يشعل النار داخل تلاليب ذاكرة النظام الجديد هو الذى سيحجب عنه الرؤية المستقبلية .. فأين هو الإبداع من كل هذا ؟
هكذا يرسم لنا ولد الغزوانى خيفةً ومخافةً و خفيةً الخطوط الاولى فى اللوحة الجديدة ظنا منه أنه قد توارى عن الأنظار .. وأنه لا يمكن لإي كان أن يُبين عليه وشمة العار ولا اكتشاف الثقوب الخبيثة التى صاحبت الفعل رغم الرفاهية والبذخ اللذين ترفل فيهما !