كلما استحضر ذهني تلك المكالمة المنسوبة ل 'الرئيس' يحيى ولد محمد الوقف والتي يحث فيها وزير الداخلية ويحرضه على حل حزب سياسي والتي يختمها بكلمته الشهيرة 'ماشفتني ولاريتني' كنوع من الزج بالآخرين من وراء حجاب الى الفعل المشين ثم التملص من المسؤولية لاحقا والتمظهر بمظهر السياسي الناصح لاحقا، وكلما فكرت في الطريقة التى استبدل بها رئيس الجمهورية صحبه بصديقه الجديد أيقنت ان البلد يسير في الطريق الخطأ ووفقا لاجندة مخفية بطلها ظاهرا رئيس الجمهورية يلعب فيها ادوارا ويتحمل فيها مسؤوليات ماهو بمهندسها ولا بمخططها.
المعضلة في هذا النوع من التدبير هو ضياع المصلحة العامة لعدم تحمل مهندسي الأجندة الخفية اي مسؤولية مباشرة لأفكارهم ولا لمقترحاتهم بل أنهم في بعض الأحيان يحتاجون ان يرتكب البعض اخطاءا كارثية للمضي قدما في تنفيذ برنامج الأجندة غير آبهين بمصلحة الدولة ولا بمطالب الشعب.
فمنذ ذلك الوقت وبعد ان زج بالبلد والشعب في اكبر ازمة سياسية ألقت بظلالها على مختلف جوانب الحياة السياسية في البلد، كأحد اكبر منظريها والمدافعين عنها، ضاعت المكتسبات الديمقراطية وضاع البلد. فتم انتهاك الدستور جهارا نهارا وتمت مضايقة الحريات وحرمت أحزاب من حقها في ممارسة عملها بذريعة انتماء مواطن لأحدها وامتلات السجون من الشباب الثائر والرافض للظلم والتهميش وتم ربط الحبل السري للصحافة الحرة باذاعة موريتانيا وتدجينها علنا. وفسح المجال واتسع لتدمير مقدرات الدولة واموالها وانتشر الفساد، فلا يكاد يمر اسبوع من دون سماع دوي فضيحة مالية او إدارية. واصبحت الميزانيات فريسة بالتناصف بين معارض قديم آثر جيبه على فكره وموقفه وبين موالي رأى بأم عينيه المنكر من القول والفعل وتألم لذلك لكنه، هو الآخر، اختار تعب الضمير وتلقي لقمة العيش المقدمة له هبة ممن كانوا بالأمس القريب أشد معارضيه.
وهكذا تدهورت أوضاع البلد بشكل رهيب وسريع وتحول من بلد آمن ومستقر وحاضر في محيطه الجغرافي إلى بلد محاصر ومغيب ويتعرض مواطنوه ومصالحه باستمرار إلى هجمات إرهابية حتى الآن مجهولة المصدر ولا يعرف عنها شيء. واخفقت كافة السياسات التنموية في مواكبة الواقع وفي مواجهة التحديات وأصبح المواطن هو أكبر متضرر مما آلت اليه سياسات رئيس الجمهورية الذي لم يستطع انجاز النزر القليل من برنامجه الانتخابي وباعترافه، اليوم، وعلى بعد أشهر قليلة من نهاية المامورية.
اليوم، وبعد أن قرر 'الرئيس' ولد الوقف الظهور عن يمين وعن يسار رئيس الجمهورية وبعد أن نجح في إزاحة كل الحُجب ليتمكن من الهمس مباشرة في أذنيه ومن دون منافس، فهل سينجح 'الرئيس' ولد الوقف في لعبة القرب من المواطن، المستسلم لقدر الله، في ان يخرج الرئيس من الوحل ومن الأزمات التي زج به فيها؟ لابد انه كسياسي 'بارع' ، يمتلك الوصفة المناسبة من اليوم الأول!. خصوصا، أن الارتباك بدا واضحا على محيى رئيس الجمهورية وتزاحمت عليه الأزمات من كل صوب وحدب ولم تزد الهفوات التي سقط فيها الرئيس مؤخرا الطين الا بلا، و أنه أدرك جيدا ان الوطن ليس بخير؟
أعتقد أن اللعبة قد انتهت، وان عليه ان يواجه صنيعته وان يتحمل مسؤولياته وهذه المرة بشكل مباشر. ولا استبعد ان يكون الرئيس قد أشار إلى الوزير الأول بفسح المجال أمامه.
ولكن لا اعتقد انه يمتلك المهارة والشجاعة اللازمتين في مثل هذا النوع من عمليات الإنقاذ الوطني، بدليل ان الرجل الذي يدعي انه ديمقراطي لجأ إلى حل مؤسسة حزبية فقط لشراسة ولقوة احد منتسبيه وبدليل انه مازال مصمم على تصفية الحسابات السياسية ليس فقط مع اطر العشرية بما يمتلكون من رصيد إنجازات، وإنما ايضا مع كل من لا يسير في قطيعه.
من يتهرب من المواجهة السياسية الشريفة لايمكنه تحمل مسؤولياته مباشرة، وسيفشل كما فشل اول مرة.
على كل حال، حال المواطن يكفي عن سؤاله وجبهة التغيير كممثل شرعي لرفض الشارع ومعارضته لأسوء نظام سياسي حكم البلد تتعرض لكل المضايقات ولايسمح لها بممارسة العمل السياسي السلمي والشرعي. احزابها معلقة ومعرقلة وشخصياتها مضايقة ومحاصرة وشبابها في السجون فقط لأنها 'شرسة' ومستعدة للمواجهة السياسية السلمية.
اخبروه ان الجبهة ازدادت شراسة وان وقت المواجهة الشريفة المباشرة قد اقترب.
اخبروه ان عليه أن يهمس في اذني الرئيس ان ارفع الحصار عن الحريات وعن الإعلام، وإلا، فسيظل الفساد والظلم هو ميزة هذا النظام وعليهما تحمل مسؤولياتهما كاملة قبل فوات الأوان.
اخبروه ان المواطنين قد فقدوا الأمل وانه لايكفي ان يكون الي يمين الرئيس أو شماله، عليه ان يكون مكانه لإصلاح ماقد أفسد.