خلال اليومين السابع عشر والثامن عشر من شهر فبراير المنصرم ، التامت قمة اوربية افريقية في ابروكسل برئاسة الرئيس الفرنسي ماكرون وقد شارك فيها رئس الجمهورية على راس وفد وزاري رفيع المستوى الى جانب ما يناهز الاربعين من الزعماء الافارقة. لتتناول صحافتنا حضوره وتضفى عليه جلابيب من المدح والتلميع تنافس فيها فرسان الكلمة من صنف الذين ينتجعون حبر اقلامهم وقد أبلوا بلاء حسنا على مذهب نظام المرجعية رغم فشلهم الذريع في تناول نشاطات الرجل من زوايا قد تكون ذات قيمة جوهرية علها تجدي نفعا على هذا البلد المنكوب والمبتلى بسنين من المحل في الفكر والسياسة والاداء والاخلاق.
وبما ان جدول اعمال القمة كان قد كرس في الاساس لتوجيه استثمارات مالية معتبرة الى القارة على امل الوقوف في وجه سيل الاستثمارت الصينية المتدفقة بسخاء اضافة الى الاجتياح الروسي الذ ي يسري فيها سريان النار في الهشيم ، فمن الغريب التركيز على صورة كان قد تم التقاطها للرجل على غير حين غرة في جلسة استراحة على قارعة طريق البحث عن الذات وتحمليها ما لا تطيق الى حد الاشفاق عليه.
وما دام المقام مقام الوقوف على معامل تحميض ومعالجة واستنطاق صور رئس الجمهورية بمناسبة او غير مناسبة بعيدا عن عرضها في سوق نخاسة الامتهان والتملق، وبالرجوع الى ابجديات تحليل واستقراء لغة العيون والجسد فان تشبيك الأصابع وضيق بؤبؤ العينين كما بدا فخامته امام العدسات، هما دليل على القلق والتوجس عكس ما ذهب اليه خبراء التحليل والتدليل في القصر الرمادى.
وان كان سيادته قد عودنا على امتداد ما انصرم من مامورية الحطام على اقتناص اية فرصة سانحة وغير سانحة للهروب من مواجهة الازمات الداخلية التي ظلت تلقي بظلالها على البلاد منذو ولج القصر، ليطل علينا من خارج الحدود بالتقاط صور له تارة مع زعماء دوليين و تارة في مكان للاستجمام اوالتسوق، فان اطلالته هذه المرة تبدو محفوفة بالمخاطر .
فالقمة التي دعا لها مكرون اضافة الى مشروع حزمة الاستثمارات هي ليست من اجل سواد عيون الافارقة ولا تعدو كونها مناورة في الوقت الضائع من اجل ترميم ما تبقي من اطلال النفوذ الغربي في القارة السمراء، واعتقد جازما انه من اليوم فصاعدا لا يوجد غداء بالمجان كما يقول المثل الامريكي there is no free lunch، فالحظوة التي نالها صاحبنا من سيد نعمته بوصفه ضمن اخر ما تبقي من ذؤابة اتباع الطريقة الباريزية في الشمال الافريقي هي التي تقذف به اليوم الى الخطوط الامامية للمواجهة في معركة اعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية الدولية وهي التي تضع بلادنا على خط تماس ملتهب تتجلى ارهاصاتها الاولي في المجازر الأليمة التى تطال ابناء جلدتنا هذه الايام على حدودنا الشرقية، و ان كان الاروبيون قد فشلوا في تجنيب ساحاتهم لغة الحديد والنار رغم التراكم الحضاري وعراقة الدبلوماسية فان دماء الافارقة هي ارخص وأهون بذلا كوقود لحرب عالمية ثالثة تشتعل جذوتها الآن في سبيل ميلاد نظام قطبي جديد تعتبر افريقيا هي احدى ساحتها الميدانية لاعتبارات استيراتيجية لا يتسع المقام لذكرها.
اذا كان انصار هذا النظام جادين في البحث عن صور تعكس حقيقة قائدهم المفدى، فعليهم ان يفتشوا عنها في الحياة اليومية للمواطن من تعليم وصحة وحرية وحق في العيش الكريم، وسيدركون دون شك مدى قتامتها و انكسارها ...
اذا كان انصار هذا النظام جادين حقا في الغوص في عمق وابعاد صور رئس الجمهورية بعيدا عن اكراهات التخندق السياسي، فعليهم ان يرجعوا قليلا الى الوراء وان يتذكروا كيف تم انتهاك الدستور الموريتاني والتعدى على حصانة رئس جمهورية سابق خدم الوطن وسلم السلطة بطريقة سلمية، ليتم نسف ما تم بناؤه كأساس للسكينة والاستقرار لوطن أصبح اليوم في مهب الريح ...
اذا كان انصار هذا النظام جادين حقا في سبر اغوار صور قائدهم المبجل فعليهم ان يفتشوا عنها في مدي ارتهان مؤسساتنا العدلية لمافيا الفساد والتجاذبات السياسية، إضافة الى تصفية الحسابات الضيقة، حيث يرافع الاستاذ إشدو اليوم بفريقه أمام محكمة التاريخ، لأنه عدم قضاء معتدلا يطبق النصوص بتجرد ويحترم مساطر التقاضى التي هي اساس العدل وصمام أمان المجتمعات وحصنها المنيع أمام عاتيات السيبة التي لا تبقي ولا تذر في ظرف دولي متقلب وخطير.