بنشاب: كتب ذ/ محمد فاضل الهادي، على هامش مؤتمر حزب الرباط الوطني من أجل الحقوق وبناء الأجيال الذي عقده الرئيس د/ السعد لوليد...
-------------------------------------
عندما كان الدكتور السعد ولد لوليد يحدثني عن إعادة التأسيس، تذكرت كل تلك المراحل التي مرت بها الأمم، وخاصة منها تلك التي تخطت بكل جدارة مفاهيم ضيقة كالفئوية والجهوية والقبلية، لقد قادني مجرد ذكره لهذه النقطة ونحن في الاجتماع التحضيري للمؤتمر الصحفي الذي تابعه الموريتانيون أجمعون عبر شاشات المنصات المنتشرة أكثر من التلفزيون الرسمي ذي المليارات التسع، والوكالة ذات المليارين، والإذاعة ذات الأربع مليارات. وكذلك صفحات المدونين التي يتابعها الموريتانيون أكثر مما يتابعون قناة الجزيرة وقناة العربية، في هذه الربوع الطيبة.
اليوم فقط سيفهم الموريتانيون أن إعادة التأسيس لا تعني الهدم، وسيعلمون أكثر فأكثر أن المفهوم الاصطلاحي ليس كما هو في سياقه اللغوي الأصلي.
فإعادة التأسيس في المفهوم السياسي والحقوقي، تعني أن تعيد لكل ذي حق حقه، وأن تعترف لكل فئة وكل مكون اجتماعي بحقه في الوجود، في السيادة، في الحرية، في الولوج للخدمات بإنصاف وعدل.
وتعني أيضا أن تصلح النخب ما فسد من مفاهيم، وتعثر من مشاريع، وما بني من أباطيل ومن هالة على زعامات تقليدية بائدة، وعلى تكوين مجتمعي سلبي، يغبن، ويظلم، ويهمش، ويقضي على حقوق المستضعفين في الأرض.
هذا هو معنى إعادة التأسيس، ومنه أيضا أن تبنى ديمقراطية يكون فيها العسكري في ثكنته، والمدني يمارس السلطة حسب ثقة الشعب، وحسب الوثيقة السامية التي من شأنها أن ترفع السقف وتبني الطموح، وتوحد الناس، وتجعلهم يثقون في الدولة أكثر من ثقتهم في تكوينات عصبية وتشكيلات عرقية وشرائحية وفئوية لا تصلح لعصرنا هذا الذي نعيش فيه.
اليوم فقط، سينتبه الجميع إلى قيمة هذا المفهوم، وإلى أهميته، وهو بطبيعة الحال يهز كل نظام بني على الغُبن والتحكم بطرق واهية وبأساليب ظالمة وبوسائل محرمة، لا بل إن هذا المفهوم، يزلزل يقين كل جبار متكبر، كل ظالم طاغية وكل عنجهي متعال على الناس.
وهذا بالضبط ما تحتاجه هذه المرحلة التي تمر بها بلادنا في ظل نظام فاشي فاشل، كرس الممارسات البائدة والمتجاوزة، وعزز الخنوع والغبن وكذب على الناس، ووعد بما لا يستطيع أن يفي به، وقد كذبته الشواهد، شواهد الفقر، وشواهد الظلم، وشواهد الغُبن، وشواهد البطالة، وشواهد انعدام الامن وشواهد انعدام الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وصحة وطرق.
واليوم ونحن ننظر بخجل، إلى المنجز المُخْجِلِ من عمل هذا النظام، نجد أنه لا مجال ولا مكان للحوار، ولا منطق ولا فهم ولا تَفَهُمَ لما ستؤول إليه الأمور في مجال تسيير الحكم، ولا منطق يقبل هذا التراخي، وهذا التباطء وهذا التلاعب المريب والتخبط المؤسف لنظام توفرت له كل الظروف التي من شأنها أن تساعده على انجاز ما وعد، فما أنجز ما وعد ولا حافظ على ما اكْتُسِبْ من منجزات لا يعود له الفضل في إنجازها، ويعود له الوزر في تدميرها.
اليوم ونحن نفكر ألف مرة قبل أن نحدد مأكلنا، ونفكر ألف مرة قبل أن نعرف ما يمكن شراؤه لنسد به رمقنا، أما عن الجياع والفقراء والبؤساء من أبناء هذا الشعب المظلوم المنهوب، فحدث ولا حرج.
ما الذي يجعل مكونات هذا المجتمع المغبونة المسحوقة تواصل صمتها في ظل هذا الوضع المأساوي، لا شيء سوى انعدام وعي النخب بأهمية تحرير الشعب، بأهمية بعث إشارة أمل إلى هؤلاء ليقوموا، ليهبوا، ليستفيقوا، ليردوا عن أنفسهم ما هم فيه.
فلا يعقل أن يبقى كل هؤلاء مرتهنين لأباطيل نظام وعد فأخلف، وحدث فكذب، وأؤتمن فخان. ولعمري تلك صفات تكفي للوقوف في وجه كل مخلف للوعد، كل محدث بكذبِ، كل خائن للأمانة.
فماذا ينتظر هؤلاء، فليهبوا وليتربصوا بهذا الهجين، الضعيف، العاجز. تماما كما يجب أن يوصف، وليتحرروا من أغلاله المهترئة ومن حباله المتآكلة، وليرفعوا رؤوسهم بكل فخر وبكل حرية ويرددوا “المجد لنا، المجد للأحرار”، هكذا تحررت الشعوب، هكذا تحررت شعوب العالم وهكذا يجب أن نتحرر نحن أيضا.
فما دامت تجارب الأمم مرت من هنا، لم لا نعيد تأسيس الجمهورية إذا؟!!!