بنشاب: تداولت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تسجيلا صوتيا لنقيب الهيئة الوطنية للمحامين جال فيه وصال، واتهم وأدان بغير دليل، وبرر انتهاك ضمانات الدفاع وهون من هتك حقوق السجناء، وهو لعمري أمر غريب وعجيب، والأغرب أن يصدر من نقيب الهيئة الوطنية للمحامين التي ظلت سيف دفاع عن الحقوق والحريات طيلة سنوات الجمر وسني الأنظمة الاستثنائية الحالكة.
ورفعا للبس حول بعض ما أثاره السيد النقيب نوضح ما يلي:
أولا: يتعين لفت انتباه السيد النقيب إلى أنه لا صفة قانونية له ولا للفيفه لانعدام الطرفية في الملف، فالملف لم يفتح بشكوى منهم، ولم يستمع لهم قاضي التحقيق كطرف مدني، ثم إنه حتى لو حصلت هذه الطرفية فإنه لن يكون لصاحبها الحديث فيما سوى دعواه المدنية من قبيل تحديد الضرر وتقدير التعويض وهو ما لم ولن يحدث بدليل العجز عن تقديم رقم محدد افتقدته خزينة الدولة، أو رشوة محددة تلقاها موكلنا، أو ضررا يراد جبره ؟، أما الحديث في الدعوى العمومية والحبس الاحتياطي وسلامة الإجراءات فشأن خالص للنيابة العامة، إلا إذا أراد السيد النقيب أن يكون ملكيا أكثر من الملك.
ومن جهة أخرى كان الأحرى بالسيد النقيب –الذي يمثل كل المحامين- أن يدعو لاحترام حق الدفاع، وصيانة حقوق السجناء، والامتناع عن التعسف في أوامر الإيداع، أو على الأقل أن يأخذ موقفا حياديا في هذه المسطرة، وأقل القليل أن لا يكون الطرف الداعي إلى انتهاك حقوق الدفاع وتقويض دور المحامين في الاطلاع على ملف موكليهم، وانتهاك حقوق السجناء، وتبرير الحبس الاحتياطي المخالف للقانون.
ثانيا: نفى النقيب أن يكون موكلنا خاضعا لحبس انفرادي، معتبرا أن الحبس الانفرادي لا يوجد إلا في كوانتنامو، ولعلها مناسبة لشرح معنى ودلالة هذا المصطلح القانوني المحدد بدقة قانونيا وفقهيا وقضائيا، فالحبس الانفرادي هو شكل من أشكال الحبس يتميز بإيداع المحكوم عليه أو المحبوس احتياطيا في حبس لوحده مع السماح له بقليل من التواصل مع النزلاء الأخرين أو عدم السماح له مطلقا بذلك، واتخاذ تدابير صارمة لمنع وصول المعلومات ووسائل الاعلام إليه.
وهذا هو ما يخضع له موكلنا بالضبط فهو منفرد في سجن مغلق وحده لا يسمح له بالخروج إلى الساحة لممارسة الرياضة ولا للتمتع بالشمس وليس في السجن غيره فلا اتصال له بأحد، كما لا يسمح له بوسائل الاعلام، وهذا هو الحبس الانفرادي أو لا يكون.
ثالثا: نفى السيد النقيب أن يكون الدفاع ممنوعا من الحصول على الملف، رغم أنه لا مناكرة في محسوس فمنع الدفاع من الحصول على الملف واقع مثبت بل ومعلن، فقطب التحقيق نفسه أصدر أمرا بمنع الدفاع من الحصول على الملف يحمل الرقم 13/2021 بتاريخ.27/03/2021 وأكدته غرفة الاتهام بقرارها رقم /2021295 بتاريخ 05/05/2021 وأكدته المحكمة العليا بقرارها رقم 484/2021 بتاريخ 24/08/2021 وهي سابقة خطيرة تقوض حق الدفاع وتنسف أسس المحاكمة العادلة من أصولها، فضلا عن مخالفتها لقرار المحكمة العليا الشهير رقم 21/92 الصادر بتاريخ 01/04/1992.
رابعا: ألقى السيد النقيب تهما جزافية تجاوز فيها النيابة العامة نفسها، ثم لم يلبث أن قطع وأدان موكلنا بهذه التهم، متحدثا عن المافيوية والمليارات، دون أن يقدم أي دليل على أقواله، وكيف يقدم دليلا وقد عجزت النيابة العامة بوسائلها وشرطتها عن تقديمه، تماما كما عجزت لجنة التحقيق البرلمانية من قبلها عن إيراد اسم موكلنا في صفقة فساد أو شبهة سوء تسيير، وتقريرها موجود وشاهد على ما نقول؟!
ولعله من التناقض الفج أن يقوم النقيب بالتصريح بكل هذه الاتهامات والتي استخدم فيها قاموسا متعسفا هجوميا في نفس الوقت الذي يتحدث فيه عن اللباقة والمرونة، أين اللباقة والمرونة عندما سمحتم لأنفسكم بالمساس بسمعة رئيس سابق عبر وسائل التواصل الاجتماعي المفتوحة لكل من هب ودب وتجاوزتم في هذا الهجوم مركزكم القانوني المزعوم وصفتكم كنقيب للمحامين باستخدام قاموس لا علاقة له بالمركز أو الصفة وهو أبعد ما يكون عن اللباقة والمرونة ؟
خامسا: نفى النقيب كذلك أن يكون الملف سياسيا، مؤكدا أنه ملف فساد عاد، رغم أن سياسية الملف واضحة جلية، لا تخفى على من تتبع مساره وحركته التي تسير تبعا لما يتطلبه منع موكلنا من ابداء رأيه ومنعه من حق التعبير.
فقد نشأ الملف منذ الخلاف السياسي داخل الحزب الحاكم حول ما بات يعرف بقضية المرجعية، وقد قاد هذا الخلاف الشهير إلى انشاء لجنة التحقيق البرلمانية، ولما لم تؤت أكلها سياسيا وأعلن موكلنا عن تنظيم مؤتمر صحفي يعبر فيه عن موقفه السياسي من الأوضاع في البلد، بادرت الشرطة إلى استدعائه مساء نفس اليوم الذي كان مبرمجا للمؤتمر، فتم وضعه قيد الحراسة النظرية ثمانية أيام دون أن يوقف غيره من المشمولين في الملف.
ولما أحيل موكلنا إلى النيابة ومن ثم إلى التحقيق الذي وضعه قيد المراقبة القضائية، واصل عمله السياسي ومؤتمراته الحزبية، مما رتب ضرورة تشديد المراقبة القضائية بمنعه من مغادرة منزله مع إلزامه بالتوقيع لدى الشرطة وذلك لمنعه من التواصل مع جمهوره ومؤيديه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولما لم تأت تلك الخطة أكلها كان من اللازم وضعه في السجن والحيلولة بينه وبين ممارسة حقوقه المدنية والسياسية.
أليس التضييق السياسي الذي رافق الملف، حيث جمد الحزب السياسي الذي انتمى اليه، ثم صودر مقر الحزب الثاني بمجرد انضمامه له، دليلا واضحا على سياسية الملف ؟
كيف يبدأ ملف بنحو 300 مشتبه فيه ثم يتحول إلى 13 متهما، ليقتصر كل ذلك في سجين وحيد هو موكلنا إذا لم يكن الاستهداف وتصفية الحسابات هي المحرك لهذا الملف؟
ولأن الملفات السياسية تطغى عليها الصبغة التعسفية في كل شيئ تم إنشاء سجن جديد بمقرر وزاري صبيحة اليوم الذي سيحال فيه إليه موكلنا، وقبل إصدار قطب التحقيق لأمر الإيداع .. إنه بالفعل ملف سياسي بامتياز وموكلنا سجين سياسي بلا ريب.
ومما يثير الانتباه ويؤكد ماذهبنا إليه ازدواجية المعايير التي طبعت تصاريح النقيب، حيث يصرح بالفرنسية أنه طرف مدني لاتعنيه الدعوى العمومية وذلك للاستهلاك الخارجي (مقابلته مع اكريدم)، ويصرح بالعربية بما “تتعفف” عنه النيابة العامة وذلك للاستهلاك الداخلي.
وأخيرا صدر تصريح جديد للسيد النقيب تضمن القول إن المواجهة الأخيرة التي قام بها قطب التحقيق في غياب الدفاع كانت شرعية وصحيحة وقد عاد أحد أفراد اللفيف وصحح الاجراء.
ورغم أن هذه المعلومة غير صحيحة إطلاقا، فلم يعد أي فرد من اللفيف لتوقيع المحاضر، ولا يتصور منه توقيع محاضر لم يحضر جلساتها.
تماما كما أنه لا يتصور من نقيب المحامين أن يقول بشرعية جلسة مواجهة لم يستدع لها المحامون بالطرق القانونية، ولم يحضروها، ولم يوقعوا محاضرها، رغم صراحة ووضوح الفقرة الأولى من المادة 105 من قانون الإجراءات الجنائية التي تقول: (لا يجوز سماع المتهم أو الطرف المدني أثناء التحقيق أو إجراء مواجهة بينهما إلا بحضور محاميهما، ما لم يتنازلا عن ذلك صراحة، أو بعد دعوتهما قانونا. ويجب أن يذكر هذا التنازل في أول المحضر).
لذلك كله فإن هيئة الدفاع تجدد تمسكها بنصوص القانون وبقواعد العدالة ومبادئ المحاكمة العادلة، وماتتضمنه من وجوب الحضورية وإلزام الاطلاع على تفاصيل الملف، كما تتمسك ببطلان كل الإجراءات التي تمت في ظل حجب الملف أو في ظل عدم حضور الإجراءات وعدم الاستدعاء لها، وغير ذلك من انتهاكات حقوق الدفاع المبطلة للإجراءات.
والله الموفق
هيئة الدفاع بتاريخ 13/09/2021