بنشاب. نت : كان ذلك القرار الأعرج من مدينة (ازويرات) الدكناء، اليوم قائظ تشتد فيه ريحُ السّموم الممزوجة بغبار الفولاذ الأسود، وسط أصوات رُحى ذهبٍ لا تتوقف قادمة من خلف غيوم (الطينطانه) الغربية، جلست وحدي، اتخذت قراري وحدي.. قرار صائب لا يحتاج إلى مشورة وهو أن اهجر الفقر إلى غير رجعة، وأستمتع بقية حياتي بالمال وتكون طفرة الثراء،أجل لقد سئمت الفقر وأهله، سئمت خطابات المثاليين الرنانة، أغاني "المبدأ" و"الكرامة" أضحت أشرطتها مشروخة لم أعد أصدقها خاصة أن معظم المثاليين لا تنسجم أقوالهم وأفعالهم، وسط هذا الغبار الملوث والعطش المزمن للمدينة خرجت بخلاصة مفادها أن الإنسان في هذه الحياة هو الثري أو لايكون..! بالدرهم والدرهم فقط يطوع الجبابرة سجّدا بين يديه.. وبالدرهم يكون لك ذكر في هذه الحياة، أنا منسي ولا أحد في هذه الدنيا يعرفني لقد ضيعت كل حياتي، سأولد من جديد وسأدخل عالم الثراء وعالم حديث الناس..!!
إلى الذهب وما أدراك ما الذهب أسمع به وأبصر !! ننطلق ونصمد ونصبر والنتيجة الثراء وكفى .. إلى كنوز تيرس ولآلئها ولّينا وجوهنا مستدبرين "كدية الجل" الوردية وهي تختفي متراقصة في العاكسات على وقع سير الهيلكس "موديل 2015" ودعنا ازويرات على موعد اللقاء معها ونحن أثرياء، انطلقنا هذا الصباح إلى الذهب حيث الثراء وحيث الأرقام الفلكية والملايين والمليارات..
كان صباحا مليئا بالتفاؤل ننظر صاحبه إلى غدٍ واعد، ومستقبل يحول فجأة رجلا على عتبة الأربعين عاش كل حياته الفقر إلى رجل يحلم بشراء آخر موضات الرباعيات ، يفكر أين يكون السكن وهو يعود إلى نواكشوط حاملا في جيبه مليارين ونصف وما هي الفيلا التي تليق به؟ وماذا سيفعل بالملايين المملينة ..!
أولى محطات طفرة الثراء كانت أعرشة تظهر من فجوات الأفق الملبد بالغبار "أهل إخليه " وأكرم بهم من قوم، أنخنا مطيتنا، وجلسنا للشاي كانت أسئلة مضيفتنا -وهي ترتغي الكؤوس -عن الذهب وهو حديث الناس كلهم، وكان صاحبي القادم من "الشكات" يعطي بعض الأرقام المتفائلة، وإن تعجب فعجب أن بعض أسئلتهاساخرة و مستفزة في عيونها المغبرة و نظراتها الثاقبة كأنها رأت صيدا ثمينا وهو آباء هاربون من وِلدانٍ لا ذنب لهم سوى أن أمهاتهم تزوجوا من منقِبين يجري البحث عنهم إلى أشعار آخر!! بادرنا بالنفي واستغربنا كيف لشخص يبحث عن الثراء السريع أن يفكر في مغامرات اجتماعية بهذا الحجم.
في ختام حديثها قالت المضيفة أبلغوا سلامي ل"معادن موريتانيا" ربة عملكم، وأبلغوها إن جميع الأحياء عطشى ولولا مبادرات من شركة "اسنيم" لهكلنا كلنا ، وانها لم تقدم خدمة للمدينة سوى الارتفاع الجنوني للأسعار والإيجار وعطش المدينة، أبلغوهم أنهم كانوا وبالا على المدينة!!.
غادرنا العائلة وودعنا البشر وحياتهم الطبيعية ودخلنا في مجابات تيرس نصارع الأرض وغيومها نراقص مطباتها نحو الكنوز.
إلى موعد آخر مع يوميات الثراء السريع!!