في الميناء...

أحد, 07/02/2021 - 11:33

الراصد:  عرفت مع أصدقاء لي معاناة الحمالة وكيف يحملون على ظهورهم طعام البلاد وشرابها ليحمله الآخرون في بطونهم دون أن يمنحوهم حتى الفتات ..كنا نقضي الليل بأكمله نراقب تفريغ البواخر ومن ثم نحسب الشاحنات ونراقب ونعد حمولتها على مدار الدقيقة،،حين تكون الحمولة بعض المواد الغذائية لن تتأثر أنوفنا ولن نسعل لكننا سنتألم لأننا نحمل أسفارا لن نقرأ منها ولافيها،أما حين يفرغون الاسمنت فتأخذ سحناتنا لونا رماديا ويتصلب شعر كل واحد منا..بعد ثماني ساعات يرميك "اترانزيتير" الاقطاعيين بشطيرة ساندويتش قادمة في أحسن أحوالها من مطعم الاسلام (بالعربية والسلام بالفرنسية) ويطغى عليها غالبا البصل والمرق،لاحاجة تقضى الا في الملأ  ف" جميعكم رجال"، هكذا يستدعي المشرف الرجولة فينا حتى لانعطل جشعه،  والحقيقة اننا جميعنا عبيد لشخص غالبا لم يزد علينا الا بأنه ولد في المكان الصح ونحن ولدنا في المكان الخطأ..مقابل الفي اوقية يشتغل أحدنا عدادا ومراقبا من الساعة الخامسة مساء وحتى السابعة صباحا على أن تقلنا الشاحنات مع رفاقنا المنهكين نمر على عجائز  متشحات بالسواد منقبات لحفظ ماتبقى من كرامة،يجمعن و يغربلن مايساقط من قمح على الرصيف الطويل..حين نصل مفترق طرق مدريد، نقفز عادة ونحن نيام من الحوض الكبير لنتخذ طرائق قددا لاستهلاك اليومية قبل العودة مساء الى نفس النقطة وكل واحد منا يمسح قذى النوم اذ سنبدأ الرحلة من جديد كسيزيف الذي لايتعظ،أحد الأصدقاء مات بعدها بأعوام بعد أن أصيب بمرض في رئتيه ولا أعرف ولم يعرف طبعا ما اذاكان لمرضه ذاك علاقة بمزاولته لأعمال السخرة تلك..هناك تعرفت على عالم آخر يرقب أهله ويحملون ويعدون كل مستهلكات البلاد أما هم بحمالتهم وعداديهم فأقل من يستفيد من المواد الاستهلاكية؛ اذ في السوق تتنكر لهم هذه المواد وكأن الأرز لم يحمل على ظهورهم والقمح لم يمزق عضلاتهم أو كأن الحليب لم يلق الرعاية والحرص من أعينهم الساهرة ذات ليال باردة..
*من سيرة انسان بسيط.

من ص/ محمد الأمين محمودي