بنشاب : إن في بعض ما صرح به معالي الوزير الأول في بداية ردوده على بعض نواب الجمعية الوطنية حول عمل "لجنة التحقيق البرلمانية" تجاوزات خطيرة وتغولا على القضاء يجب استنكارها والرد عليها؛ وهذه بعض ردودنا:
1. بإعلانه تَبَنِّيَه لـ"لجنة التحقيق البرلمانية" وعملها، يكون معالي السيد الوزير الأول قد أعلن اعترافه بخرق الدستور الموريتاني، وكرس التمادي في ذلك الخرق. ذلك أن الدستور الموريتاني لا يوجد فيه نص واحد إطلاقا يخول البرلمان تشكيل "لجنة تحقيق برلمانية" تراقب وتحاسب الحكومة القائمة، أحرى أن تحاسب وتراقب حكومة أو حكومات لم تعد قائمة، كما لا يوجد فيه ما يعطي البرلمان سلطانا ما على مؤسسة الرئاسة، ولا على الرئيس إلا في حالة الخيانة العظمى فيما يخص رئيسا في السلطة، وحسب إجراءات محددة ومفصلة نصت عليها المادة 93 منه! ولا غرو إذن؛ ما دام بعض الساسة والمشرعين عندنا يضعون مصالحهم الخاصة فوق الدستور وفوق الجمهورية. ويباركون ويتبنون التلاعب بالقانون إذا كان يخدم مصالحهم؛ ويسمونه "قرارات شجاعة".
2. أما ما ذكره معاليه في رده عن "تسمية بعض الأشخاص في التقرير" وعن "قرار رئيس الجمهورية الشجاع" فليس من القانون في شيء. ولا يعدو كونه تبريرا لانقلاب غير دستوري جرى على حكومة سلفه. وذلك لسببين:
السبب الأول: أن لجنة التحقيق البرلمانية غير شرعية كما أسلفنا. وتقريرها باطل، وما بني على باطل فهو باطل ولا أثر له. وبالتالي فالإطاحة بحكومة لمجرد "تسمية بعض الأشخاص (فيها) في تقرير اللجنة" غير الشرعية، إنما هو انقلاب على الشرعية وعلى الدستور، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يسمى قرارا شجاعا.
أما السبب الثاني: فهو أن "النظام الداخلي للجمعية الوطنية" الذي يعتبره بعضهم "بمثابة قانون نظامي، ومكملا للدستور" يمنع منعا باتا ما جرى ويعري تلك "الشجاعة" لأنه ينص في مادته: 136 حرفيا على ما يلي: "1 - للجمعية الوطنية أن توجه اتهاما للوزير الأول و/ أو لأعضاء الحكومة أمام محكمة العدل السامية طبقا لأحكام المادتين 92 (جديدة) و93 (جديدة) من الباب الثامن من الدستور. 2- لا يعتبر قرار المتابعة، وكذا الاتهام، نافذا إلا بعد التصويت عليه بالأغلبية المطلقة من الأعضاء المشكلين للجمعية الوطنية في اقتراع علني. وفي هذه الحالة يقدم الوزير الأول أو عضو - أو أعضاء - الحكومة المتهمون استقالتهم".
فلما ذا نُخْرِب بيوت وزراء في حكومتنا، وندنس سمعتهم، ونلقيهم في الشارع مع مواساة لفظية بأن من برئ منهم سيعاد له الاعتبار؛ في حين أنهم لم يصدر ضدهم أي اتهام أصلا من الجهة الوحيدة التي يخولها الدستور والنظام الداخلي "العتيد" اتهامهم، ولا هم يحزنون؟ إنه انقلاب صارخ على الشرعية والدستور والقانون سببه الوحيد أن على أولئك الوزراء أن يتركوا مقاعدهم لآخرين طال وقوفهم في طابور الانتظار واقتسام الكعكة الوطنية!
3. وبخصوص ما قاله معالي الوزير الأول عن الدخول في "مرحلة ثانية هي مرحلة اتهام" فهو أمر مستغرب جدا، لأنه أولا: تَدَخُّل سافر من طرف رئيس السلطة التنفيذية في صلاحيات السلطة القضائية؛ حيث سلب صلاحيات وكيل الجمهورية وقطب النيابة المكلف بالملف، وأملى عليهم إجراء كان من الممكن أن لا يتخذوه بسبب عقبة عدم الاختصاص الكأداء الماثلة بين أعينهم، وناقض تصريحات ووعود رئيس الجمهورية بعدم التدخل في الملف وأفرغها من محتواها! والأغْرَبُ من ذلك أن معالي السيد الوزير الأول لما أعلن أمام الجمعية الوطنية اتخاذ إجراءات في ملف بين يدي القضاء، لم يجد نائبا واحدا يتصدى ويستنكر ويغير هذا المنكر "بلسانه"! وحتى ذلك النائب الفاضل الذي استنكر الزيادة الجديدة المريبة في رواتب النواب صمت هذه المرة ولم يوجد له أثر! وثانيا: مخالف للقانون؛ فالذين شملهم الملف هم إما وزراء أو رئيس سابق. ولديهم كلهم امتياز قضائي منحهم إياه الدستور يجعل اتهامهم من اختصاص البرلمان وليس من اختصاص معالي السيد الوزير الأول ولا النيابة العامة كما كررنا مرارا، وأسلفنا فوق.
4. ويبقى الرد على "تكييف معالي الوزير الأول للتهم. وحرصه المعلن على تطبيق القانون على الجميع. وفيه نقول: إن معالي الوزير الأول، وإن كان لا يملك سلطة التكييف؛ إذ هي من اختصاص النيابة والقضاء، فإن تكييفه المعلن: "قضية تتعلق بنوع من الاختلالات غير معهودة" يتناقض تماما مع إرادة "الاتهام" التي أعلن عنها؛ ذلك أن الاختلالات - وتقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" لا يتحدث فعلا إلا عن "اختلالات" - لا تدخل، إن وجدت، في خانة الجريمة التي يتهم بارتكابها. فالاختلال غير مُجَرَّمٍ وغير معاقب؛ خاصة إذا كان مجردا من العزو، بل يظل دائرا بين الخطأ المغتفر، وسوء التسيير الذي هو من اختصاص محكمة الحسابات. ولا يوجد في ذلك التقرير إطلاقا فعل يتعلق باختلاس في أية مؤسسة عمومية أو خصوصية، أو اتهام برشوة. ومع ذلك فكل شيء ممكن ومتوقع، ولكن خارج القانون! ومما يذكر فيشكر لمعالي الوزير الأول حرصه على تطبيق القانون على الجميع! ولكن من حقنا أن نتساءل: أوليس الدستور هو أبو القوانين والميثاق الذي يحكم الأمة؛ وعليه، فهو الأجدر بالتطبيق قبل غيره؟ فلماذا تباركون وتتبنون خرقه؟ وما بال المادتين 92 و93 منه، وبأي ذنب قتلتا؟ وما ذنب المادة 136 من النظام الداخلي للبرلمان، هل أصابها فيروس الخرق الذي أصاب المادتين 92 و93 من الدستور بسبب ذكرهما في نصها؟ أسئلة إن لم نجب عليها اليوم، فسيجيب عليها التاريخ؛ إن عاجلا أو آجلا!
هيئة الدفاع عن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.