رجل الساحل القوي (5) .. العلم والنشيد ومريم داداه

ثلاثاء, 15/12/2020 - 03:52

كانت سنوات مابعد رصاصة اطويلة، أهم فترة في عز وقوة حكم الرجل الذي صنع باندفاعه في القضايا الإقليمية وفرضه لموريتانيا كفاعل اساسي فيها - بدل المفعول به أو المتفرج-، وبتهميشه التام لمعارضيه، أعداء كثر، إقليميين ودوليين ومحليين الذين لم ينقطعوا فترة واحدة عن التظاهر في ساحات نواكشوط مطالبين بإسقاط حكمه..
فكانوا مع كل محاولة لترتيب أوراقهم لتغيير استيراتيجيتهم للتعامل معه، يختلق لهم أزمة جديدة..
ولم يتوقع أغرب المنجمين ان يقوده مكره السياسي وحبه للتميز - سواء كان إيجابا أو سلبا- ان يفكر في تغيير شبه شامل لأهم الثوابت الوطنية ورموز الاستقلال، وتغيير الدستور للقضاء على إحدى أهم الغرف البرلمانية..
متى فكر في ذلك وكيف؟
قد يستغرب البعض حين أقول له بأن فكرة تغيير النشيد لم تكن مطروحة في الاساس عند الرجل.، وقد يكذبها آخرون..
وقد تستغربون أكثر عندما أقول لكم أن فكرة تعديل العلم جاء بها من مشهد شد انتباهه خارج الوطن!
ففي زيارة قام لإحدى الدول الأفريقية لحضور تنصيب رئيسها - هو نفسه لايتذكرها- لفت انتباهه كثرة الرموز الموجودة في هذا العلم فسأل مستضيفه عن دلالاتها، فأجابه أن لكل رمز دلالة معينة شارحا إياها بالتفصيل..
وفور عودته للوطن استدعى بعض مقربيه، وسألهم عن دلالات ورمزية الألوان الموجودة في العلم الوطني، فأجاب بعضهم أن الهلال والنجمة رمزية إسلامية اقتبسها المؤسسون من علم باكستان، وقال البعض الآخر بأن هذا علم ولاية جزائرية، وكان علما لمنطقة في السنغال أيام تبعيتها لمالي، وأدلى آخرون بأن هذا العلم لا يرمز لشيء سوى أن من اختاروه ليسوا موريتانيين..
فخرج الرجل بفكرة إضافة خطين احمرين واحد يرمز لدماء المقاومة والآخر لدماء الجنود الموريتانيين الذين استشهدوا في معارك سابقة..
ومن هذه النقطة انطلق راكبو الأمواج سماسرة القضايا في حملتهم للنيل من جيل التأسيس ومن قدسية الرموز الوطنية، ومحاولة الثأر لفشلهم السياسي في الماضي.، وهم الذين اختار معظمهم أوطانا أخرى عن الوطن الأم.، وبدؤوا يطالبون بتغيير النشيد الوطني، وفي هذه النقطة سأورد معلومات قد لايكون بعضكم على اطلاع بها، وهي أن الأب المؤسس المختار رحمه الله قد حاول قبل اندلاع حرب الصحراء تغيير النشيد، لكن نشوب الحرب وقتها حال دون تقدم عمل اللجنة المكلفة به، كما حاول معاوية حفظه الله ذلك مرتين، دون أن يحصل تقدم في عمل تلك اللجان،( المعلومات حول هذا الموضوع ضمن أرشيف الرئاسة).
وكانت قد ظهرت مع بدايات حكم عزيز مطالب بذلك من طرف حركة  فكر جديد بقيادة السيناتور محمد ولد غده، والمهندس نور الدين ولد محمدو، والتي طالبت بما يشبه إعادة التأسيس، وكان من أبرز تلك المطالب إضافة أبيات تحمل شحنة وطنية تُكوِن ارتباطا وثيقا بين المواطن ووطنه.، وقد قدم في هذا المضمار وقتها الشاعر الراحل الشيخ ولد بلعمش رحمه الله، عام 2011 مقترحا جميلا، حفظ به اللحن وأضاف ابياتا جديدة للنشيد،..(موجود على اليوتيب)..
وفي الحقيقة كانت المطالب والمقترحات في تلك الفترة حول تلك المواضيع كثيرة ومتشعبة ومتباينة، فأتذكر أنه في 2014 أعددت مقترحا مختصرا لتعزيز التأسيس انطلاقا من الدستور القائم وقتها، كنت أنوي تقديمه في اللقاء المشهور الذي جمع الشباب والرئيس في مبنى الجامعة الجديدة، بعد أن أعطيت ضمانات بمنحي فرصة لتقديمه، قبل أن يغير المنظمون رأيهم، لحاجة في أنفسهم، وقمت بعدها بنشره في بعض وسائل الإعلام، وكان يتركز أساس على "توحيد اللغة و إجبارية تعلم اللغات الوطنية"، خطة عمل شاملة لمدة محددة، يعطل فيها العمل بالدستور لإعادة بناء الكادر البشري على أسس وطنية(المعلم، الممرض، الجندي، رجل الأمن، عمال الإدارة...الخ)
حل الاحزاب السياسية والمنظمات المدنية، وإعادة فتح باب الترخيص لها على أسس واضحة وسليمة... الخ
المقترح موجود مع سرد للقاء على الإنترنت تحت عنوان"هكذا عشت لقاء الرئيس والشباب"..
وللعودة إلى موضوع النشيد كان لابد للرجل من استشارة المؤسسة العسكرية التي لم يبدِ قادتها اي اعتراض على مبدأ تغيير النشيد أو تعديله، فأقر لجنة لذلك، واختارت عددا كبيرا من الشعراء، منهم من اعتذر، واقصت آخرين، وقد تستغربون كيف لعشرات الشعراء ان يجتمعوا لكتابة نشيد، وهذا يطرح اكثر من سؤال..
هل من كتب النشيد شخص واحد؟ ومن هو؟ وما هو الغرض من ذلك؟ وكم كلف خزينة الدولة؟ ( سأعود لتلك التفاصيل في وقت لاحق)..
في كل هذه المراحل كان البعض لايفوت الفرصة للنيل من قطب زمانه الشيخ سيديا باب، حتى وصل بهم الأمر إلى الإساءة له بشكل مباشر على لسان عمدة ازويرات وقتها الشيخ ولد بايه، وهي الإساءة التي اساءت #عزيز نفسه حسب رده على سؤال وجهته له، أثناء اعدادي لهذا الموضوع، وحرك لذلك بعض مقربيه لتوضيح الأمر للأسرة الكريمة، والاعتذار لها.، على أن الواقعة حدثت بحضوره..
أما بخصوص أرملة الراحل المختار رحمه، فلم يكن لأزمتها أية علاقة بالعلم ولا النشيد ولا المطار، فبحسب تعبير #عزيز ان من حقها ان تعترض على ما تشاء أو أن تصف من تشاء بما تشاء، فهي مواطنة موريتانية لها كل الحق في ان تعبر عن رأيها، لكن ان يصل الأمر بها لتطلق تصريحات تسيء لجار وشقيق نحن في أمس الحاجة لتعزيز العلاقات معه، وفي ظرف سياسي وامني إقليمي حساس، فهذا مالا اقبله ولن اقبله من أي كان.. حسب قوله
ولنكن منصفين، وذاكري فضلٍ، كموريتانيين، تعني لنا أسرة المؤسس ما يعنيه رموز الوطن، فلم يسبق لرئيس ان أعطى عناية خاصة لأسرة الأب المؤسس المختار رحمه الله، كما أعطاها عزيز ففور وصوله السلطة تواصل مع مريم_داداه واضعا نفسه رهن إشارتها في كل ما يتعلق بحقوقها المعلقة، عارضا تقديم المساعدة لإبنيها وبنتها للإستعانة بهم في خدمة الدولة، فكان ردها على ان أحد الأبناء يعمل في المنظمات الدولية والبنت مديرة في بنك دولي، ولكن حاجتها الرئيسية في الحصول على بعض الرسائل والاغراض الخاصة بها وزوجها، وكذلك رعاية الدولة لمؤسستها، وتسمية شارع على زوجها، فلبى كل طلباتها تباعا..
-أمر بفتح أرشيف و"عنكار" الرئاسة لتأخذ ما يخصها وزوجها منه..
- أمر لمؤسستها بدعم مالي سنوي يبلغ 175 مليون أوقية..
-أمر بتسمية أكبر شارع في نواكشوط على الأب المؤسس
-عين النجل الأكبر لها مديرا في وزارة الخارجية ثم سفيرا في كل من واشنطن والكويت
-هذا بالإضافة إلى كل حقوقها كأرملة رئيس سابق..
لكن الألفة لم تدم طويلا بسبب تصريحات اعتبرها #عزيز إساءة غير مبررة للجزائر، مست من حميمية العلاقات بين البلدين، مما استدعى من الخارجية الموريتانية وقتها اعتذارا لنظيرتها الجزائرية..
ودفع عزيز إلى قطع المنحة التي خصص لمؤسسة المختار رحمه الله ونزع عنها صفة "النفع العام"..
دمتم ودام عليكم الحظر حتى تهزموا الوباء.

لقراءة الحلقة الرابعة من السلسلة اضغطوا على الرابط التالي:

://benichab.net/node/7453

سليمان محمد ديدي