نواكشوط، الامطار، و ارتفاع منسوب مياه البحر!!! الخطر و الحل.....

اثنين, 21/09/2020 - 06:51

بنشاب : تجار السيارات وقطع غيارها من الموريتانيين الذين صاروا منذ سنوات يقيمون بابروكسل، فضلوا أن يكونوا في شقق قرب السوق ويستقبلون فيها التجار غير المقيمين ويساعدونهم في العثور على السيارات أو البضاعة التي جاؤوا خصيصا لها .
حكى لي أحدهم مرة قصة " موريتاني في بلاد المطر " فقال :
استقبلت مرة تاجرا أتى خصيصا لشراء سيارات وكانت أول مرة يزور فيها بلجيكا ، وكان يقطن معي بعض التجار في ذلك الوقت ، وكنا نستيقظ فجرا - كالعادة - نصلي بمسجد الحي ونأخذ الخبز في طريق عودتنا وبعد الفطور " ننزل " للسوق ولا نعود للشقة إلا عصرا .
في اليوم الأول بقي ضيفي " الجديد " كل اليوم في مضجعه لا يفارق مكان نومه والغطاء إلا لقضاء حوائجه الخاصة ، وكذلك اليوم الثاني ثم الثالث ! 
وعلى كؤوس شاي اليوم الرابع قلت له :
لماذا لا " تنزل " للسوق مع إخوتك ليساعدوك على العثور أو اقتناء  السيارات التي تبحث عنها ؟
فأجابني : أنتظر توقف هذا المطر فهو لم يتوقف منذ وصولي !
ضحكت ورفاقي كثيرا وقلت له : 
إن كنت تنتظر يوما صحوا مشمسا لتتسوق ببلجيكا فستضطر لتجديد تأشيرتك ، فأنت في بلد المطر .

تمطر عدة أيام في الأسبوع ببلجيكا وفي كل الفصول ، وبقاء البلد شهرا واحدا من دون مطر مدعاة لدق ناقوس الخطر به وانطلاق حملات ترشيد مياه الري والتوقف عن الإفراط في استخدام الماء .
في بلجيكا ، معدل أن تمطر هو يوم من كل يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر على مدار السنة ، وتظهر الصورة ذلك ، حيث أمطرت على ابروكسل 199 يوم من السنة الماضية 2019 بمعدل يتراوح بين 51,3 مم و 81 ملم ، وقد تمطر لعدة أيام متواصلة على مدار 24 ساعة ، تنام وهي تمطر وتذهب لعملك صباحا وتعود منه وهي تمطر و .... فالمطر من الأمور الطبيعية المعاشة هنا يوميا تقريبا وهناك تأقلم معه ..... ورغم ذلك لن تشاهد تجمعا للمياه بالمدن أو القرى لجودة الصرف الصحي .

ليس من المعقول ولا من المقبول أن يعاني ثلث سكان موريتانيا الذين يشكلون ساكنة العاصمة من مخاطر وأضرار عدم توفرها على صرف صحي ونحن في الألفية الثالثة .
إن سياسات " مشاريع العلاوات " الفاشلة التي عانى منها البلد خلال العقود الماضية صار ضررها ليس فقط في تراكم الديون على البلد وتلطيخ سمعته ، بل ويشكل الفساد في بعضها - كالصرف الصحي - خطرا على صحة المواطن وممتلكاته وأنشطته وعمله بل وعلى بقاء مدينة انواكشوط على الخريطة أصلا ، فهي مدينة تقع تحت مستوى البحر 50 سنتيمترًا ومياهه تتقدم سنويا نحوها بشكل مقلق .
 مياه أخرى تهدد أحياء من نواكشوط من تحت الأرض، ”فالمدينة تقع فوق بحيرة جوفية مالحة، منسوبها آخذ في الارتفاع؛ لغياب شبكة صرف صحي“، كما تحول ملوحة الأرض ( سبخه ) دون امتصاص التربة لمياه الأمطار في عدة مناطق من العاصمة ، ناهيك عن اختفاء الحاجز الرملي الطبيعي الذي كان يشكل سدا بين البحر والعاصمة بسبب استخدام تربته في بناء العاصمة على مدى عقود .
من ناحية ثانية ، العاصمة مهددة منذ عقود بزحف الرمال نحوها من الشمال والشرق ، وقد أنفقت مليارات لوقف زحفها او التقليل من سرعته على الأقل او تثبيتها وكانت كل المقاربات فاشلة ومضيعة للمال العام ومساعدات الهيئات والمنظمات الدولية. 
في سنة 2010  ستقوم السلطات بتشييد حزام أخضر لحماية  العاصمة من زحف الكثبان الرملية المحيطة بها ومن مخاطر غمر مياه المحيط، ويهدف الحزام الأخضر إلى غرس مليون شجرة على مدى أربع سنوات للمحافظة على الوسط البيئي والحد من آثار التغيرات المناخية ( 12 مقطعا شمال وشرق العاصمة ) ورصد للمشروع مبلغ  3.5 مليار أوقية (12.7 مليون دولار)، ستدفعها الدولة الموريتانية من موازنتها الخاصة.
وكان هناك مشروعا آخر لنفس الغرض ومكملا لمشروع الحزام الأخضر وهو عبارة عن شراكة بين وزارة البيئة والتنمية المستدامة الموريتانية ووكالة التعاون الفني الألماني، وبدأ عام 2012 لينتهي عام 2016، بتكلفة مالية بلغت 6.5 ملايين اورو ( 2,6 مليار أوقية قديمة تقريبا ) ، يدخل في إطار التدابير الوقائية لحماية نواكشوط عبر تقوية الحاجز الرملي بسد ثغراته ضمن إطار ’مشروع تأقلم المدن الشاطئية مع التغيرات المناخية‘، الذي يهدف إلى حماية الشاطئ بالحد من الآثار السلبية الناتجة عن الاستنزاف اللامسؤول لرماله .

لقد صرفت أموال طائلة للتخلص من مشكل زحف الرمال صوب العاصمة ولكي تتوفر على صرف صحي ، فباءت كل المشاريع بالفشل وفقد سكان العاصمة عشرات المنازل بسبب ابتلاع الرمال لها او تآكلها بسبب الملوحة ومياه البحر الموجودة تحت مناطق من انواكشوط والتي تشكل قنبلة موقوتة ، ومازال الكثير من السكان يفقدون سنويا منازلهم ويغادرونها بعد انتصار الطبيعة عليهم .

أما مشروع الصرف الصحي فقد أنهك الخزينة العامة وزاد من ديون البلد دون تحقيقه :
- 10 مليارات أوقية قديمة للصرف الصحي بانواكشوط 2015 .
- 15 مليار أوقية قديمة للصرف الصحي بانواكشوط 2018 .
- 44 مليون دولار  ( 17 مليار أوقية قديمة تقريبا ) للصرف الصحي بالقرى والأرياف ، مارس 2020 .

لقد آن الأوان للبحث عن مقاربات لهذا المشكل متعدد الأضلاع ، والحل عندي هو :

ضرب عصفورين بحجر واحد .
عبر ترويض الطبيعة وضرب أطرافها بعضها ببعض ، فالحل في هذه المعضلة يكمن في كنهها وطبيعتها ، ويمكن اعتبار التنوع في مصادر المشكل موفرا ومساعدا لحل جذري له .
الحل يكمن في تثبيت الرمال بالمياه ( مياه البحر ومياه الأمطار ) عبر شق قناة ( تحت مستوى انواكشوط المصنف تحت مستوى البحر ) شمال وشمال شرق انواكشوط على مسافة معتبرة منه ( من 10 إلى 20 كلم ) وبعمق 100 متر ، اتجاه غرب - شرق وبطول المسافة ما بين البحر وطريق انواكشوط - اكجوجت ، وتحويل جميع مياه الصرف الصحي لمدينة انواكشوط إلى هذه القناة التي ستحل أكثر من مشكل :
- ري الحزام الأخضر بدل استخدام مياه الشرب .
- القناة عامل لتثبيت الرمال ينضاف للحزام .
- خزان لمياه الصرف الصحي الذي كان ومازال أكبر تحدي لإنجازه هو مكان أكثر انخفاضا من مستوى المدينة لتحويل المياه له .
- ترطيب وتلطيف جو العاصمة .  

#موريتانيا_بلا_صرف_صحي

من صفحة المدون #حسب آب#