بنشاب : الجمعة في مظاهرات هي الثانية، خلال شهر يونيو الجاري، للمطالبة باستقالة رئيس البلاد إبراهيم بوبكر كيتا.
وقد أثارت هذه المسيرات، التي تأتي في سياق أزمة صحية وأمنية تشهدها البلاد، استغرابا داخليا وخارجيا، واستدعت تدخل وساطات خارجية، من أجل إنهائها.
بداية الحراك
تعود بداية الحراك المطالب باستقالة الرئيس المالي، إلى 5 من يونيو الجاري، حيث خرج الآلاف في مظاهرات بساحة الاستقلال وسط العاصمة باماكو.
وانطلاقا من تاريخ الخروج، اتخذ الحراك تسميته "حراك 5 يونيو - تجمع القوى الوطنية"، ويضم أحزابا سياسية، ورجال دين، وناشطين في المجتمع المدني.
ولا يدعو الحراك إلى ما دون استقالة الرئيس، المتهم من طرف قادته بـ "الفشل في تسيير الأزمتين الصحية والأمنية"، اللتين تمران بالبلاد.
ورغم أن قادة الحراك معروفون بمعارضتهم لنظام الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، إلا أن النزول للشارع، في سياق عالمي يشهد حظر التجمع، بسبب فيروس كورونا المستجد، وطبيعة مطالبه، غير الملحة في نظر بعض الكتاب والمحللين في البلاد، أثارت استغراب العديدين.
ومن بين التساؤلات التي تثار اليوم في مالي، بعدما خرج الحراك في مظاهرتين حاشدتين، هو مدى قدرة "5 يونيو" على إسقاط الرئيس.
ديكو.. الإمام الثائر
يعتبر الكثيرون أن محمود ديكو، لعب دورا كبيرا في وصول إبراهيم بوبكر كيتا للسلطة عام 2013، من خلال تعبئة الفعاليات المسلمة للتصويت له، وها هو اليوم يلعب نفس الدور من أجل الإطاحة به، رغم أنه لم يكمل بعد عامين من ولايته الرئاسة الثانية، الممتدة على 5 سنوات.
وينحدر الستيني محمود ديكو من مدينة تمبوكتو، وهو ابن أسرة علم، فيها حفظ القرآن ودرس بعض متون الفقه، ثم درس في موريتانيا والمملكة العربية السعودية.
انشغل ديكو بالتدريس لسنوات، وابتداء من عام 1981 أصبح إمام مسجد السلام، أحد أهم مساجد العاصمة باماكو، كما ترأس المجلس الإسلامي الأعلى من 2008 إلى 2019.
مناصب منحت ديكو شعبية واسعة، وقدرة على توجيه بوصلة الشأن العام، فقد تزعم الحراك الاحتجاجي للأئمة والدعاة 2009 لإسقاط مدونة الأحوال الشخصية، حيث اعتبروها "مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية".
وقد ساءت علاقات ديكو بكيتا خلال الفترة الأخيرة من رئاسته المجلس الإسلامي الأعلى، وبلغ ذلك أوجه في فبراير 2019، حيث نظم تجمعا بالعاصمة باماكو، حضره عشرات الآلاف، واعتبره تجمعا "لمساءلة الحكومة والدعاء للبلاد".
تنازلات كيتا
حاول الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا امتصاص غضب ديكو مبكرا، لكنه لم يفلح في ذلك، فقبل تنظيمه العام الماضي تجمعه لـ "مساءلة الحكومة"، بعث له بمبلغ 50 مليون فرنك لمساعدته في تنظيم المهرجان.
واعتبرت الأوساط المالية رفض ديكو لهذه المساعدة، وقوله إن هذا المبلغ "يمكن أن يساعد اللاجئين الذين يعيشون ظروفا صعبة"، بمثابة صفعة جديدة لنظام كيتا.
وحين لم تجد تلك الخطوة، أقال الرئيس حكومة سومايلو بوباي مايغا، وشكل حكومة جديدة، بقيادة بوبو سيسي، في محاولة لإسكات غضب المنتفضين ضده.
وبعد المظاهرات الأولى للحراك الحالي، ألقى كيتا خطابا ركز فيه على الحراك ومطالبه، ودعا قادته للحوار، قائلا إن يده ممدودة للتفاوض، وإن بابه مفتوح، قبل أن يعمد إلى إقالة الحكومة، ويعلن سعيه لتشكيل حكومة جديدة، تكون أكثر استجابة لتطلعات الماليين.
غير أن الاحتجاجات تواصلت بكثافة، مطالبة إياه بالاستقالة من السلطة، ما أثار شكوك بعض الأوساط، بشأن قدرة هذا الضغط الشعبي على إرغام الرئيس على الاستقالة.
وساطات متعددة
في ظل أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد، وتزايد الهجمات المسلحة بشمال ووسط مالي، واستمرار اختطاف زعيم المعارضة سومايلا سيسي، أثار الحراك الشعبي المالي المطالب برحيل النظام المخاوف داخليا، وخارجيا، فتسارعت وتيرة الوساطات من أجل احتوائه.
وقد جاء الحراك بعد تنظيم انتخابات تشريعية، فاز فيها حزب التجمع من أجل مالي الحاكم، لكن بأغلبية بسيطة، وهو ما فسر على أنه مؤشر رفض واضح لنظام كيتا، وردة فعل سريعة على إدارة ملف الأزمة الصحية.
وقد دخلت على خط الوساطة أطراف متعددة، فبعد تحرك الأمم المتحدة، ممثلة في مبعوثها الخاص إلى غرب إفريقيا والساحل، وتحرك الاتحاد الإفريقي، وصلت باماكو يوم الخميس بعثة وزارية من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "سيدياو"، التقت الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، وقادة "5 يونيو"، لكن دون جدوى.
وقال محمود ديكو، أمام المتظاهرين أمس، إن قادة الحراك تباحثوا مع الوفد، وقدموا له ضمانات بشأن عدم إشعال البلاد، ولكنهم أكدوا تمسكهم بالنضال، إلى أن تتحقق أهدافهم.