قبل أشهر رفع العشرات من المواطنين البسطاء، وجمع غفير من المدونين شعار «نذيرو لا اتولي»، دعما للوزير نذيرو ولد حامد في حربه الضروس ضد مافيا تزوير الأدوية، ومستوردي، وموزعي السموم من أصحاب المخازن، والمستودعات، والصيدليات الإجرامية.
مع وتيرة متصاعدة للأحداث؛ خرجت المسيرات في العاصمة نواكشوط، والعديد من البلدات الريفية، مؤيدة ومساندة لوارث عصى موسى، وحامل خاتم سليمان، المبعوث «النذير» إلى تجار امتازوا بالجشع، وجمعوا ما بقوم لوط وعاد وثمود من الآثام والمهلكات.
كان الـ «نذيرو» حازما بحسب ما بدر منه في بداية الشرارة، لكن سرعان ما امتدت أياد خفية وكبحت جماحه، و وضعت حدا لعنترياته التي أوشكت على المساس بمصالح بعض أصحاب السلطة والنفوذ.
عندها صرنا نشاهد من حين لآخر أكواما وأطنانا من الأدوية المزورة، يتم حرقها دون توقيف أصحابها، وتحولت العملية من حرب لا هوادة فيها على أخطر العصابات إجراما إلى مسرحية سيئة السيناريو والاخراج، تكشفت خيوطها للجميع، وابتعد الخطر فيها عن أصحاب المصالح من الدببة والتماسيح.
وفي معمعة الحرب الباردة بين الوزير وأقطاب الصراع المحيطة به من كل حدب وصوب، ومن دون سابق إنذار فتك الفيروس الوبائي كوفيد 19 بدول العالم، وسجل اجتياحا دوليا هو الأسرع عبر تاريخ التكتيكات الحربية.
لم تكن بلادنا بدعا ولا استثناء من زيارة هذا الضيف الخفي، الفتاك، المعدي بطريقة أسرع من البرق، وكان «نذيرنا» هذه المرة على المحك، وشكل الوباء اختبارا قاسيا لنظام الحكم الجديد، الآخذ في التشكل والذي لم يستتب له الأمر بعد.
رفع الوزير شعار «الوقاية خير من العلاج»، فحقق نجاحا نسبيا لا غبار عليه، بفضل إغلاق الحدود في وقت مبكر، ضمن سلسلة من الإجراءات الاحترازية يختلف المراقبون في تقييم نجاعتها.
بعد فترة تم الإعلان رسميا عن خلو البلاد من الفيروس، ورأى البعض في ذلك الإعلان الحكومي تصرفا صبيانيا وتسرعا طائشا، أمام دول عظمى يفتك بها الفيروس بشكل مذل ومهين.
في غمرة الفرح الهيستيري، ونشوة الانتصار المزعوم، برز منحنى الإصابات والوفيات واستمر في الصعود، المباغت للأحلام، والعاصف بالسكينة المجتمعية.
ظهرت بشكل فج وكارثي رداءة منظومتنا الصحية، وضعف الوسائل والإمكانات، ومحدودية الطواقم والقدرات، وباتت الأخبار الواردة من مكان حجز المصابين مثيرة للحيرة والحسرة والاستياء.
سقطت إذن آخر أوراق التوت التي طالما اختبت خلفها مافيا وزارة الصحة، وظهر من جديد الوجه الخفي لوزير يبدي الكثير من الصدق والإرادة وحسن النية، ويفتقد للكثير من الجرأة والصرامة اتجاه المحيطين به، الذين يحفرون في طريقه الأخاديد، ويبحثون له عن بئر وذئب وقميص!
وهنا بات المشهد جليا، واتضح أكثر حين ارتفع عدد الوفيات، وكثرت الأخطاء الطبية والإدارية القاتلة، وارتفعت نسبة الإصابة في صفوف الطواقم الطبية، ورمت لوبيات الوزارة بالوزير نفسه إلى منفاه القسري حيث حجز نفسه بمنزله، بعيدا عن الوزارة، وخلا الجو للقبرة، فباضت واصفرت ونقرت، وأظهرت للرأي العام أن الوزير فاقد للحماية من طرف رأس السلطة، واتسع الشرخ بينه مع وزيره الأول، وتأكد بشكل قطعي أن إصلاح الجنرال ولد الغزواني لا يختلف كثيرا عن إصلاح الجنرال ولد عبد العزيز، مع فارق طفيف في «الخلفية الاجتماعية» على حد تعبير وزير الشؤون الإسلامية!
رقصت المافيا الوزارية في انتصارها، وشاركها الأفراح فصيل سياسي وإيديولوجي، له تاريخ حافل باستيراد وتوزيع الأدوية المزورة، وتضرر كثيرا من سياسة الوزير واكتوت امبراطوريته التجارية بنار القرارات والتعليمات الوزارية الصارمة.
اليوم لم تعد الحالة الصحية مطمئنة، أدوية الأمراض المزمنة اختفت من السوق نتيجة لمضاربات التجار المنتشين بانتصار لا ندري هل هو مؤقت، أم نهائي وحاسم؟!
وكل ما هو مؤكد حتى الآن أن الوزير يدفع ثمن تساهله مع اللوبيات وتجار السموم الذين ضبطهم في حالة تلبس، فابتلع لسانه ودفن وجهه في الرمال، وآثر التستر على جرائمهم، ولم يحرك ضدهم أي دعوى عمومية.
على نفسها جنت براقش.
فاطمة محمد ناجم