لا يبدو الحديث عن عالم خال من الأمراض والموت يوتوبيا ساذجة بقدر ما يمكن اعتباره وقود لإمداد ماكينة الاستغلال، الاقتصادي على وجه الخصوص، للقلق والمخاوف البشرية من العجز والفناء من قبل أنظمة الحكم السياسية في العالم ككل. ولعل المؤسسة الطبية اليوم، وتحديداً في ظل تفشي وباء كورونا، كشفت عن ارتباطها الوثيق بهذه الأنظمة لدى مغادرتها للقواعد الأخلاقية التي أرساها المعلمون الأوائل وتحولها إلى "بزنس" بحت كمنظومة منتجة وظيفتها الأساسية رفد الاقتصاد بما يتناسب مع استراتيجيات الدول. لنجد أن الفرق تضاءل بين منطق البقالة ومنطق الإبداع في عالم الطب بوجود جيوش من الكوادر دأبت على إنتاج قيمة اقتصادية قائمة على الممارسة الاستهلاكية للمعلومة الطبية دون إضافة تذكر في تاريخ الإنجازات الطبية. وربما تجسد هذا في إعلان كوفيد 19 كجائحة وفرض حجر عام تحت طائلة العقوبة القانونية ليس فقط دون تقديم حل ناجع للمشكلة، بل ترافق مع خلق مشكلة اقتصادية في جميع أنحاء العالم.
ووفقاً لتوقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والبنك الدولي، من المرجح أن ينخفض النمو الاقتصادي العالمي إلى النصف بسبب تداعيات الفايروس، وبالتالي غرق 40-60 مليون شخص إضافي في فقر مدقع في جميع أنحاء العالم. وسيكون أسوأ المتضررين هم الذين يعيشون على الهامش في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، حيث يقيم أكثر من 85 في المائة من اللاجئين في العالم حاليًا.
وهذا الواقع القاسي قائم بالفعل في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تضم إلى جانب تركيا أكثر من ستة ملايين لاجئ وأكثر من 10 ملايين نازح داخليًا يفرون من العنف في سوريا واليمن وخارجها، إضافة إلى دول أوربا والولايات المتحدة.