بنشاب : تعليقا على لقاء الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بالصحفيين يمكنني أن أوافق مبدئيا على أليس من الممكن أن يحضر الجميع ويحظى الجميع، دون انتقاء محق وترتيب وتنظيم دقيق وهادف، وأن لا مهنة ولا مجال في هذا البلد يمكن أن يكون من الميوعة والفوضى بدرجة مهنة الصحافة!
وهذا لا يخص جيلا عن جيل ولا حقبة عن حقبة، وإنما حصل منذ بداية الانفتاح وعصر المادة 11، بهدف التمييع ذاته، وبسبب نظرة خاصة من طرف القائمين على الشأن العام في مختلف أجهزة الدولة لهذا الكائن المسمى الصحافة، والذي يعد ركنا من أركان النظام الديمقراطي وركيزة من ركائز دولة المؤسسات؛ فلم يقتصر التمييع في البداية على فتح الباب أمام الجميع بلا ضوابط ولا قواعد ولا كوابح إلا كابح تلك المادة المشينة، وإنما دخلت وأدخلت جحافل المتسولين وأسراب الارتزاقيين… بما فيهم من لا يكتبون جملة ولا يستبينون فكرة، ولا يملكون رؤية، وظل الخلل إلى اليوم يتفاقم والمرض يتعاظم وينخر الجسم الصحفي الذي ولد مشوها وتم غزوه من شتى أنواع الفيروسات المشوهة بل القاتلة، رغم أملنا الكبير في إصلاحه العصي من طرف النظام الحالي.
ومع الفلتة الثانية التي وصفت بتحرير الفضاء السمعي البصري كان التحرير فعلا تحريرًا وتحررًا من كل قيم المؤسسية والضوابط والقواعد الصحفية حتى على صعيد بعض من تكونوا ضمن أجيال ما يصفونه بعصرهم الذهبي وكان الاختبار الاصعب الذي واجهوه اختبار القنوات والإذاعات التي تولى بعضهم تسييرها وكان الفشل في احتضان جيل صحفي من الشباب الاكفاء المتعلمين جيدا والقابلين للتطوير والتطور والتكوين المستمر المؤمنين بالمهنة ومتاعبها أول فشل مؤسسي ومحنة تضعهم أمام الحقيقة التي جاءت بأغلبهم، وهي الفشل المؤسساتي المتراكم وسوء الإدارة الراشدة وغياب الإرادة الجادة وعدم الرؤية الواضحة والتكيف مع الإمكانيات المتاحة، وتجاوز الأنانية والمحسوبية والتخندقات الضيقة بشتى أنواعها الجهوية والقبلية والحزبية والايدلوجية والحبل على الجرار…
وفي هذا السياق برزت بشكل أوضح فكرة المجايلة وحرص منظروها في كل مناسبة تجمع أهل الحقل على محاولة الإقناع بأقدميتهم وأحقيتهم بكل ريع المهنة وبطولاتها وتضحياتها على طريقة “سرديات أو ذكريات المتقاعد” (امراد لمرترت).
والغريب أن أغلب هؤلاء المنظرين للمجايلة ليسوا من أكثر تلك الأجيال كفاءة ولا خبرة ولا حتى معارف ومؤهلات، وإنما يفوقهم آخرون من زملائهم وأترابهم تغطي على شأنهم والاستفادة من خبراتهم في المؤتمرات والمناسبات المختلفة تلك السرديات المملة والمفاضلة والمفاصلة المخلة بين الأجيال الصحفية المتلاحقة.
الصحافة أيها السادة العمداء – تذكيرا لمن منكم يعرف وتعليما لمن لا يعرف – مهنة لا تعرف التقاعد، ومن هنا فلا معنى للمجايلة والمفاضلة والمفاصلة بين ممتهنيها، وإنما ينبغي أن يوقر صغير السن فيها كبير السن باحترام شخصه والاستفادة من تجاربه وخبراته؛ قلت أو كثرت، وان يرحم كبيرها صغيرها بالإنصاف والإنصات والنصح والإرشاد والاحتضان والتكوين والتدريب والتمكين من الحقوق وتوفير الظروف والأجواء الملائمة لاستقطاب الخبرات والمواهب والكفاءات.
إنها تخصص ومهنة متجددة من حيث المهارات والخبرات والمواهب والمعارف التي لا تقتصر على فئة دون فئة، ولا تنتوقف على جيل عن جيل، وإن كان عامل تجارب الزمن المتراكمة أمر في غاية الأهمية، وهو ما يحتم تثاقف وتلاقح وتقارب وتداخل أجيالها، بل ربما يفرض ذلك أن تكون محددات المجايلة فيها ومعيار التميز والتمايز – إن كان لا بد منه – على أساس مقتضيات تطوراتها السريعة وتجدداتها المذهلة، وإن تباينت الأعمار وتباعدت المسافات الزمكانية.
إن طبيعة الميكانيسمات والكارزمات التي تحكم هذه المهنة ترجح ذلك إن لم تكن تفرضه.
إني وإن كنت لا أرضى لنفسي المزاحمة عند كل صغيرة أو الاستئثار بكل حظوة تستحق الإيثار؛ ولا أرى في شخصي كامل الأهلية للحضور لكل خرجة رسمية خصوصا إذا كانت سامية مثل لقاء فخامة رئيس الجمهورية البارحة بالصحفيين؛ فإنني لا أرى أن يتم ذلك على أساس المفاصلة أو المفاضلة بين أجيال الحقل الصحفي أو تحت أي عنوان أو شعار من هذا النوع، ولا أراه في خدمة مشروع فخامته الذي أبدع الشباب في خدمته بكل الوسائل والرؤى الناجعة، ذلك المشروع الذي يعطي أولوية خاصة لرأس المال البشري ويحظى منه الشباب بمكانة خاصة ومقام سام لا يراد له – على ما يبدو – ان يتجسد على أرض الواقع مع كامل احترامنا لعمداء السياسة والإعلام الذين شهدوا للطاقات الشبابية بالكفاءة العالية والتميز والإتقان… خلال الحملة الانتخابية.
ولفئة الاستعلاء من الصحفيين ينبغي القول:
أن يهبك الله فرصة للالتحاق بمؤسسة إعلامية خارجية لا يعني ذلك أنك تتفوق على بقية الزملاء من مختلف الأصناف والأجيال؛ بل يجب أن تتذكر أنك قد مررت بنفس الطريق الذي يسلكه آخرون وما زالوا على دربه، لا أن ليس فيهم من هو على مستواك وقدرك ويمكن أن يصبح له غدا مثل شأنك، إن محاولة التمايز أو المفاضلة بين الصحفيين على أساس أن يحمل أحدنا كاميرا أو مكرفونا أجنبيا أو خارجيا هو نفسه هراء التمايز والتميز على أساس المجايلة، ولئن كان يعني سنة التفاضل في الرزق والتمايز في الحظوظ بين البشر؛ فإنه قد لا يعني التفوق المبدئي والاصطفاء الحصري!
أيها السادة الزملاء والعمداء الأعزاء لنتجنب “حدة اختلاف المصالح بين الرجل والمرأة، وبين الشباب والأقل شبابا، وبين الفقراء والأغنياء وبين العمال وأرباب العمل والعاطلين، وبين أهل الريف وأهل المدينة” بـ”إعادة مركزية قيم العدل والإحسان والمؤاساة والتآسي في العسر…” وفقا لهدي مولانا الامام عبدالله بن بيه حفظه الله ورعاه، لنسمو بعلاقاتنا إلى “مبدإ التكافل الطبيعي والتكامل والتضامن الأصلي… الذي ينبع من صميم ديننا” ويقتضيه إصلاح حقلنا وعموم شأننا.